الإرادة القوية اختصار لمسافات التعب ومحطات الفشل

المدينة نيوز - لم تتأثر قوة إرادة الستيني أبو صالح وعلوّ هِمّته جراء الخسارة الكبيرة التي حلت بشركته وهو في هذه السن، لكنه تقبل الواقع الأليم ونهض من جديد في محاولة لإعادة استقرار أوضاع أسرته المادية.
تخلى الأقارب والأصدقاء عنه، ولم يسمع منهم سوى العتب واللوم وبعض النصائح، فلم يبق أمامه من سبلٍ سوى أن يطرق جميع الأبواب، إلى أن اهتدى في النهاية، بمساعدة زوجته وأبنائه، إلى إقامة مشروع تجاري صغير لبيع وشراء الألبسة، انطلق فيه من منزله، وصار مع الوقت يُدرّ عليه دخلا متواضعا.
بالإرادة القوية، وتعاون أفراد عائلته معه، استطاع أبو صالح أن يطوّر مشروعه الصغير، شيئا فشيئا، إلى أن نما دخله وتوسعت تجارته وأصبح بعد حين يمتلك محلات تجارية متعددة في مختلف محافظات المملكة.
لا يعلم أحدنا ما تخفيه له الحياة، وفي ذلك تتفاوت ردود فعل الناس أمام الصدمات والعقبات التي تواجههم، مادية كانت أو نفسية أو عاطفية. فكثير من الناس كلما فشلوا في أمر من أمور الحياة يستسلمون للفشل ولا يقاومون، ولا يبذلون أي جهد للنهوض من جديد، فيشعرون بالإحباط واليأس والقنوط، ولا يجرؤون على المحاولة من جديد، وينسون أن تكرار المحاولة هو الذي يعلمهم كيف يتجنبون الأخطاء التي واكبت محاولات السابقة، وهو الذي يفتح لهم الطريق نحو نتائج إيجابية ومشجعة ولو بعد حين.
لكن في الحياة أشخاصا ينظرون للحياة بعين الأمل وروح التفاؤل، تسلحوا بالإرادة وعلو الهمّة متمسكين بالإيمان في مواجهة ما يعترضهم من مُعيقات وصدمات، ولا يجد القنوطُ واليأس إلى نفوسهم سبيلا. فرغم بساطة عيشهم، وكثرة مشاكلهم وما يكابدونه من قسوة العيش فإنهم لا يفقدون الأمل، لإيمانهم الراسخ بأن الغد أجمل، وأن الحياة لا تتوقف عند مشكلة، أو صدمة، تعثّر، أو خيبة، أو فشل، أو وعكة.
ودانه عمران (23 عاما) تعلمت من والدتها أن لا تفقد الأمل في ما تصبو إليه من غايات في هذه الحياة، وأن تظل متفائلة بما تحمله من أفكار وغايات، وأن لا تقف حائرة ومكتوفة الأيدي بلا حول ولا قوة عند أي عثرة تواجهها في الحياة.
وتستغرب دانة من زميلاتها اللواتي يتأثرن كثيرا بفشل علاقاتهن العاطفية، ففي ظنها أن الحياة مستمرة، وعلى الإنسان أن يعرف قيمة نفسه وطاقاته الكامنة، ويحاول أن يستمد منها تفاؤله الدائم بالحياة، لأن الحياة لا تنتهي عند شخص عابر، أو صدمة من الصدمات.
ويرى عيسى كرادشة (43 عاما) بأن على الإنسان ألا يفقد الأمل في قدرته على مواجهة المشاكل، لأن لكل مشكلة حلا، ولذلك عليه أن يكسر قيود اليأس والتشاؤم، وينطلق نحو الحياة، سعيا وراء الغاية النبيلة التي خُلق من أجلها.
يقول عيسى "يواجهني في حياتي العديد من المشاكل التي تجعلني أمتلئ يأسا وخيبة وإحباطا، إلا أن إيماني بالله تعالى وبقدراتي الذاتية يجعلني أتغلب عليها، وأنطلق في حياتي من جديد، بأمل جديد، وطاقات نفسية متجددة".
في هذا الشأن يصف الاختصاصي النفسي د. خليل أبو زناد، الإرادة بأنها صمام أمانٍ ضد العجز الذي قد يصيب أي إنسان، مؤكدا أن قوة الإرادة من عوامل صحة المرء النفسية، وقوام نجاحه في الحياة، لأنها الوقود الذي يحرك آلة الإنسان نحو مزيد من العمل والإنجاز، وتحقيق الأهداف.
وفي السياق ذاته يضيف خليل "كل إنسان يولد وقوّة الإرادة كامنة في أعماقه، والمشكلة تكمن في كيفية تحريك هذه الإرادة وتوجيهها، لاستثمارها في كل فعل يقوم به الإنسان، بداية من القدرة على البدء فيه، ثم الاستمرار فيه، وصولا إلى إنجازه الأخير. وأما إن فشل الفرد في عمل ما وأصيب بحالة من الكآبة فذاك مؤشرٌ لسوء تقديره لذاته وجهله لقدراتها الكامنة".
ويضيف، "اضطراب الإرادة عند الفرد يعني انعدامها أو تعطلها، وفي هذه الحالة يصبح الإنسان في النهاية صدًى حقيقيا يعكس ما يواجهه من مؤثرات سلبية، فنراه غير راض عن نفسه وفي حالة اكتئاب مستمرة، فيتردد في الإقبال على أي العمل، أو على اتخاذ ما يحتاجه من قرارات ومواقف، وفي مثل هذه الحالات العصيبة يجب اللجوء إلى استشارة الطبيب النفسي المختص".
ومن خلال تجاربه الطويلة في الحياة يرى الخمسيني أبو إبراهيم ضرورة التمسك بقوة التفاؤل وتأثيره الإيجابي على النفس لاستيعاب مصاعب الحياة والتعايش مع واقعها، أيا كانت الصعاب.
وفي هذا السياق يشير أبو إبراهيم إلى أهمية تعليم الأجيال الناشئة والقادمة معاني التفاؤل وأسراره الخفية، حتى يتجاوزوا المحن ويصبروا على ما يحيط بهم من مشاكلهم، ويبتعدوا عن اليأس وآثاره المدمرة، لأن هذه المشاكل، في رأيه، وبحكم سنة الحياة، مؤقتة وعابرة، وهي تنتهي دائما إلى زوال، ولا يبقى منها سوى الذكرى.
وتتجلى قيم الإرادة في حياة أم رائد (37 عاما) التي اكتشفت قبل عامين بأنها مصابة بسرطان الثدي، وكانت صدمتها وصدمة عائلتها كبيرة جدا، لاسيما أنها في مقتبل العمر، وأولادها صغار. لكن الذي ساعدها على تحمّل ما أصابها والتماثل للشفاء هو تفاؤلها القوي الذي لم يفارقها، وحبها العميق للحياة.
وفي هذا الشأن يلفت استشاري الاجتماع الأسري د. مفيد سرحان إلى أن الإرادة تختلف عن التهور، فهي تعني في جوهرها التصميم، والعمل، والأخذ بالأسباب، وعدم الاستسلام للصعاب والمشكلات التي تصادف الإنسان في حياته.
موضحا في هذا الصدد ضرورة تربية الأبناء منذ الصغر على قوة الإرادة والتحمل، مبينا أن أهم الأمور التي تسهم في بناء الإرادة القوية لدى الأطفال هو تعويدهم على الاعتماد على أنفسهم، وعدم الاتكال على الآخرين. إذ هناك من الآباء من يثبطون همة أبنائهم بحجة الحرص الزائد على توجيه أبنائهم، فلا يتركونهم يقومون بأي عمل بأنفسهم، حتى لو كان بسيطا، ولذلك فمن ينشأ من الأبناء على هذه السلوكيات فسوف يصبح ضعيف الإرادة مع مرور الأيام.
ويشير سرحان إلى ضرورة أن يتعلم الطلاب قوة الإرادة والتصميم في المدارس، ومن الوسائل التي تعينهم على ذلك تحفيز الطلبة على التنافس فيما بينهم، سواء في التحصيل العلمي، أو الرياضي، أو في المسابقات الثقافية التي تزيد من ثقة الطالب بنفسه، وتعوّده كيفية التعامل مع المشكلات.
ومن الأمور التي تساعد على قوة الإرادة، وفق سرحان، أن ينظر الإنسان إلى تجارب الآخرين، وخصوصا الأشخاص الذين تميزوا وتفوقوا، فسيجد أن هذا التميز والتفوق لا يتحقق إلا بالإرادة والمثابرة، ولا غنى فيها عن الاطلاع، والاستفادة من تجارب الأشخاص الذين مرّوا بمشكلات ومصائب، وخرجوا منها أقوياء. " الغد "