حدادين يستغرب من تصريحات وزير المياه المتعلقة بـ"قناة البحرين" ويؤكد:البنك الدولي لم يوافق على تمويل المشروع!

المدينة نيوز- أعرب وزير المياه الأسبق عضو الوفد الأردني المفاوض بواشنطن د. منذر حدادين عن استغرابه من الإعلان المفاجئ لوزير المياه الحالي رائد ابو السعود عن مضي الأردن قدما في المرحلة الأولى من مشروع ناقل البحرين الميت والأحمر.
وقال خلال ندوة نظمها نادي الفيحاء مساء الأربعاء الماضي إن وسائل الإعلام أخطأت بنقل تصريحات لوزير البنى التحتية الإسرائيلي سيلفان شالوم بان مدير البنك الدولي وافق على دعم المشروع بالمبلغ المتفق عليه 1.25 مليار دولار.
وأضاف حدادين ظهر لاحقا عدم صحة موافقة البنك الدولي, وأيده في ذلك مداخلة لأمين عام سلطة وادي الأردن م. موسى الجمعاني قال فيها ان رئيس البنك الدولي أبلغه بانه لم يصدر مثل تلك البيانات وانه لم يعلن موافقته على المشروع حتى تاريخه.
وقال إن القرار الأردني النهائي ينتظر رد مجلس الوزراء, مؤكدا أن البنك الدولي لم يوافق على المشروع الذي يواجه تعقيدات عديدة.
وأوضح ان المفاعلات النووية الأردنية الأربعة المزمع إنشاؤها لاحقا تتطلب مياها مالحة لتبريدها مشددا على أن المشروع أردني بالكامل سيقوم البنك الدولي بالتعاون فيه.
انخفاض مستوى البحر الميت
وحول من يتحمل مسؤولية انخفاض مستوى البحر الميت قال حدادين ان من يتحمل هذه المسؤولية الرئيسية هي إسرائيل ولكن لا يخلو الأمر من ارتكاب الأردن وسورية ولبنان أخطاء في هذا السياق.
وأضاف ان المسؤول الأول عن ذلك هو الوكالة اليهودية, مشيرا ان حصة الأردن ستكون النصف فيما يتقاسم الفلسطينيون والإسرائيليون النصف الباقي.
وقال ان الوكالة اليهودية بدأت بتبخير مياه الميت منذ الانتداب البريطاني من خلال شركة بوتاس فلسطين التي أسستها أواخر الثلاثينيات من القرن الماضي واخذوا المياه من منطقة الحسا الأردنية لكنها قطعت عنهم عام 1948م, لافتا إلى ان إسرائيل تغتصب المياه العربية تماما كما تفعل بالأرض والشعب.
وأشار د.حدادين إلى تخوفات من تسرب المياه المالحة إلى الخزانات الجوفية الأردنية خاصة وان هناك 18 مليون متر مكعب في منطقة وادي عربة يتم استغلالها للزراعة سنويا ناهيك عن المخاطر البيئية على البحر الميت بسبب اختلاط المياه المالحة بالأقل ملوحة وتغير لون المياه.
وقال: إن 1.8 بليون متر مكعب من مياه خليج العقبة ستؤثر حتما على الحياة البحرية فيه لكنه أضاف ان هناك فوائد منها تخضير المنطقة وإقامة برك مياه لتربية الأسماك والسباحة .
وأضاف ان إسرائيل تستهلك ما معدله 628 مليون متر مكعب من المياه سنويا فيما تستهلك سورية والأردن نحو 570 مليون متر مكعب.
فكرة المشروع بدأت عام 1855
وقال حدادين إن أول من فكر بمشروع ناقل البحرين الميت والأحمر هو المهندس الانجليزي ويليام آلين عام 1855 كبديل لقناة السويس من دون ان يعلم ان البحر الميت يقع تحت مستوى سطح البحر الأبيض المتوسط.
وأضاف ان مهندسين يهودا اهتموا بهذا الاقتراح منذ عام 1870 فتمخض عن تفكيرهم مشروع يربط البحرين من حيفا إلى بيسان يتم من خلاله توليد الطاقة الكهربائية في بيسان ومن ثم يتم إنزال المياه في نهر الأردن.
وأشار ان المشروع كان قد عرض على مؤسس الحركة الصهيونية د. ثيودور هيرتزل الذي أعجب بالفكرة فأرسل على الفور مهندسا يهوديا يدعى أبراهام بوركارت لدراسته على أرض الواقع والذي أوصى بربط المشروع ورفع منسوبه حتى تصبح أريحا بلدة ساحلية كما أوصى بضخ مياه نهر الأردن إلى المرتفعات الغربية.
ونوه إلى ان ذلك المهندس اليهودي كتب الى قس انجليكاني في بلاط الملك البريطاني في شباط عام 1902 قال فيها : لماذا لا تقنع الملك بشراء الأراضي الجرداء في تلك المنطقة بثمن بخس ونقوم نحن اليهود بتعميرها وبعد ذلك يستطيع الملك بيعها بأسعار خيالية ليتمكن من تعويض خسارته في حرب البور بجنوب افريقيا إضافة إلى انه بذلك يساعد اليهود على العودة إلى أرض ميعادهم راجيا عن اطلاع السلطان العثماني على هذه الخطة.
وأشار المحاضر أن اليهود رغبوا بزراعة أحياء مائية وتنمية رياضات بحرية وخلق سياحة بحرية توطئة لإنشاء وطن قومي لليهود, لأن مؤتمر بازل الصهيوني الأول عام 1897 أرسى عطاءه على فلسطين.
وما يعزز هذه الفكرة - بحسب د. حدادين - ان المنظمة الصهيونية العالمية اهتمت بالمشروع وأجرت عليه دراسات جدوى جديدة عام 1919 ودراسة أخرى عام 1944م من قبل المهندس اليهودي كلاي رودر الذي أوصى بربط البحر الميت بالبحر الأبيض المتوسط, كما ان المهندس سافيج كرر نفس التوصيات عام 1947 في حين قام المهندس الإسرائيلي غور بإحياء المشروع منتصف السبعينيات ومن ثم بدأت الدراسات الإسرائيلية الجادة للمسارات الأصلية والبديلة للمشروع ومنها المسار الجنوبي الذي يمر من غزة بهدف تبريد مفاعل ديمونة النووي في النقب.
وأوضح ان الإسرائيليين بدأوا رسميا منذ ذلك التاريخ بالإعلان عن مشروع البحر الميت بالبحر الأحمر وعندها أيقن الأردن أن لا جدوى من معارضة المشروع الإسرائيلي فتم الاتفاق على إيجاد فكرة منافسة له أكثر جدوى من اجل إقناع المجتمع الدولي بها, ولذلك بدأ الأردن يعمل سرا عام 1979 على دراسة المشروع وعارضه مع بقية الدول العربية.
مشروع مقابل
وقال إن سلطة وادي الأردن كانت قد كلفت شركة استشارية إمريكية بإجراء دراسة جدوى للمشروع فقدمت الشركة تقريرها السري أواخر عام 1981م, وقامت سلطة وادي الأردن بتوزيعها على الجهات المعنية تحت بند مكتوم وسري جدا أوائل عام 1982 لمراجعتها وإبداء الرأي فيها.
وأشار ان من هذه الجهات كان وزير التجارة والصناعة ووزير الخارجية ومدير عام شركة البوتاس ورئيس المجلس القومي للتخطيط ومدير عام سلطة الكهرباء.
وفي السياق, أوضح وزير المياه الأسبق أن منظمة البيئة العالمية كانت عقدت مؤتمرها السنوي في خريف عام 1982 في نيروبي بمشاركة أمين عام وزارة الصناعة ممثلا عن الأردن, وهناك جرى الاتفاق على الوقوف بحزم ضد المشروع الإسرائيلي.
ويقول د. حدادين: إلا ان المفاجأة كانت عندما طرح المشروع الأردني السري على المؤتمر ما شكل خدمة للموقف الإسرائيلي إذ أسرع السفير الأمريكي بعمان لمقابلة رئيس الوزراء آنذاك مضر بدران, في حين سارع مدير الوكالة الأمريكية للإنماء لمقابلتي - والحديث لحدادين - بصفتي رئيسا لسلطة وادي الأردن بالوكالة للاستفسار عن الموضوع.
وزاد: عندما طلبني رئيس الوزراء للاستفسار عن الأمر اكتشفت عدم اطلاعه على المشروع. بيد ان حدادين أوضح ان تداعيات الموقف خدمت صانع القرار الأردني حيث بدأ النشاط السري الأردني مع بريطانيا والبنوك العالمية لسحب الدعم للمشروع الإسرائيلي, فحضر إلى المملكة وفد من الأمم المتحدة برئاسة لانكوفر الأستاذ في جامعة كولومبيا واستفسر مني عن أسباب معارضة الأردن للمشروع الإسرائيلي إلا ان الحماس لكلا المشروعين توقف إلى ان بدأت عملية السلام عام 1991م.
وأشار ان الوفد الأردني ناقش المشروع مع الوفد الإسرائيلي الأمر الذي ولد صداما تفاوضيا في محادثات واشنطن فقمنا بتقديم المشروع رسميا في شباط 1994م, والفت شركة الصناعات الألمانية تحالفا من شركتين وبنوك يابانية للتمويل, وطلب منه شخصيا السفر إلى فرانكفورت للدفاع عن المشروع الأردني.
ووفق حدادين فقد شارك في المؤتمر الذي عقد في قرية بالقرب من فرانكفورت 25 شخصا للتفاوض, منوها إلى حديثه آنذاك ارتكز على الأساس الديني بأن نهر الأردن مقدس لأن السيد المسيح عليه السلام تعمد فيه كما ان الحكومة الأردنية لن تقبل تلويثه بالمياه الإسرائيلية.
ولكن حدادين يقول ان الخبراء المشاركين في المؤتمر اقترحوا استخدام مواسير لنقل المياه الإسرائيلية الملوثة بيد أن الأردن رفض مرور هذه المواسير من أراضيه الأمر الذي زاد من تكلفة وتعقيدات المشروع الإسرائيلي التي كانت قبل ذلك أقل من تكلفة المشروع الأردني, وعليه جرى الذهاب إلى واشنطن لعرض المشروع على اللجنة الاقتصادية الثلاثية في آب 1994 وتم الاتفاق على ان يقوم البنك الدولي بتمثيل الأردن وإسرائيل في التعاقد على الدراسات التفصيلية شرط ان يكون البنك منفذا فقط وأوصى البنك بالمضي قدما في الدراسة.
وأوضح حدادين ان الأردن حصل بعد ذلك على منحة من وكالة تطوير التجارة الأمريكية وعمل مع إسرائيل والبنك الدولي على تطوير أخدود وادي الأردن لكن وفاة الملك الحسين عام 1999 واندلاع انتفاضة الأقصى بفلسطين أوقفا التعاون مع إسرائيل حتى عام 2005 وتم إدخال فلسطين عضوا في المشروع واتفق على إجراء دراستين له بتكلفة 15 مليون دولار متوقعا الانتهاء منهما في ربيع عام 2010م.
وقال حدادين ان الدراسة مستمرة للجدوى الاقتصادية والفنية وان هناك شركات أخرى تعمل على دراسة الجدوى البيئية والاجتماعية لمشروع ربط البحر الحمر بالبحر الميت وان شركات المجموعة تدرس البدائل ومنها ضخ مياه البحر الأحمر إلى ارتفاع 220 مترا وحفر نفق تحت الأرض يصل البحرين بطول 150 كم.
الحديث عن المرحلة الأولى قبل الانتهاء من دراسة الجدوى
وقال حدادين انه رشح عن المرحلة الأولى بأنها ستضخ نصف مليار متر مكعب إلى منسوب 220 مترا مكعبا فوق مستوى سطح البحر وتحليتها لإنتاج 200 مليون متر مكعب وان وزير المياه الحالي أعلن ان المشروع أردني ولا حاجة لأخذ موافقة من أي جهة, متسائلا : اذا لم تكتمل دراسات الجدوى والموافقة على مكونات المشروع ومساره فكيف تتم معرفة جدوى المرحلة الأولى? ومن قام بدراسة الجدوى? ومن مولها? ومن كلف بها? وما هي تكلفتها? وهل صحيح ان البنك الدولي اقتنع بالموقف الأردني المعلن? وكيف يخالف البنك الدولي القواعد التي تحكم عمله?
وفي مداخلة أمين عام سلطة وادي الأردن م. موسى الجمعاني قال ان ما نشرته الصحف ليس صحيحا وان البنك الدولي أبلغه انه لم يوافق على المشروع, مشيرا انه رئيس اللجنة التوجيهية من الجانب الأردني للمشروع ولا علم له بالمرحلة الأولى.
وقال إن المشروع لا يزال مجرد فكرة وان خطوات البنك الدولي طويلة وواقع المياه في المنطقة يتدهور باستمرار وان الأردن يعاني من شح المياه.
واضاف انه في حال تنفيذ مشروع الديسي بعد ثلاث سنوات فان تزويد المواطن بالمياه سيبقى على حاله مرة في الأسبوع لكن في حال عدم تنفيذ المشروع فان التوزيع سيصبح مرة كل أسبوعين لذلك افترض الأردن ان هذا المشروع مجد وان نتيجة دراسة البنك الدولي ايجابية فبادر بدوره إلى تكليف شركة مختصة للمرحلة الثانية.
وحول المسؤولية عن انخفاض مستوى البحر الميت قال الجمعاني ان إسرائيل تتحمل المسؤولية بعد ان قامت بتحويل مياه نهر الأردن إلى النقب فيما تقع بعض المسؤولية على سورية لحفرها 3500 بئر ارتوازي في محيط منطقة نهر اليرموك وحجز المياه من خلال 46 سدا على الأودية المغذية لنهر الأردن.
كما حمل الجمعاني جزءا من المسؤولية إلى الأردن وقال نحن ايضا مسؤولون في تحمل المسؤولين لإقامة سدود على جوانب نهر الأردن إضافة إلى ما يجري من عملية التجفيف عبر البوتاس. ووصف الجمعاني مشروع ناقل البحرين بمستقبل الأردن المائي, وأن الأمن المائي للأردن مرتبط به.