عبد الرحيم ملحس دفع الثمن !

المدينة نيوز - خاص - كتب محرر الشؤون المحلية - غذاؤنا فاسد ودواؤنا فاسد، لو لم يقل الدكتور عبد الرحيم ملحس سوى هذه الجملة لكفاه ذلك احتراما وحضورا في الذاكرة الشعبية عند بسطاء الناس الذين جربوا مصداقيته ، فهذه الجملة لم يقلها حزبي معارض يتصيد اخطاء الحكومة، ولم تصدر عن نقابي مشاكس او صحفي يبحث عن الاثارة، بل قالها وزير الصحة وهو على راس عمله، قالها وهو يجلس وراء مكتبه ذات يوم بعيد من مطلع التسعينات، ولم يقلها في غرفة مغلقة او في اجتماع محدود الحضور، بل قالها للصحافة، دون ان تسبق اسمه كلمة السابق او المتقاعد، كما جرت العادة عند بعض المسؤولين الذين يتحولون الى معارضين عند مغادرتهم كرسي الوظيفة الرسمية.
ما قاله الدكتور ملحس، كان بمثابة الزلزال الذي هز اركان وزارة الصحة، وانتقلت تأثيراته الى المؤسسات الحكومة والشارع على حد سواء، ورغم كل الضغوط التي مورست عليه في حينه لاعادة صياغة اقواله بما يخدم مصالح المتنفذين، الا انه رفض، فكان العلاج خروجه من الوزارة، مع احتفاظه بلقب معالي الذي لا يستعمله كثيرا .
تفتح وعي الدكتور عبد الرحيم ملحس ليجد والده الدكتور قاسم ملحس صاحب واحد من اقدم المستشفيات الخاصة في عمان، الذي حمل اسم العائلة منذ اربعينيات القرن الماضي وظل يستقبل مرضاه في موقعه الكائن على الدوار الاول، لذلك كان طبيعيا ان يتجه لدراسة الطب ويعمل في ستينيات القرن الماضي في الخدمات الطبية.
في التصنيفات السياسية يتم تصنيف الدكتور ملحس ضمن صفوف التيار القومي العروبي، واختار لنفسه موقعا في خندق المعارضة دون ان يكون محسوبا على اي من احزابها او اطرافها المكشوفة، بل ظلت معارضته تبدو اقرب الى الفهم الخاص والمزاج الخاص والتصرف الخاص ايضا، لذلك حرص على الا يكون من حصة أحد.
في صيف عام 2003 قرر الدكتور عبد الرحيم ملحس خوض الانتخابات البرلمانية مراهنا على وعي الشارع وقدرته على المنافسة، وقتها لم يرفع الرجل سوى شعار واحد " مع الحقيقة مهما كان الثمن " وفي ذلك اسقاط على تلك الحقيقة المرة التي صرخ بها ذات يوم من وراء مكتبه في جبل الحسين، ورغم انه دفع الثمن في حينه، الا انه تحول الى علامة فارقة في البرلمان الرابع عشر، الى درجة ان بعض مريديه والمقربين منه وصفوه بالصوفي في تمسكه بقناعاته وترجمته لتلك القناعات، وحين كان يغضب من رئاسة المجلس او من زملائه يغادر موقعه كنائب ليجلس في مقاعد الجمهور.
وفي عام 2007 امتلك الدكتور ملحس الشجاعة ليقول لناخبيه انني لم اقدم لكم شيئا في البرلمان، لذلك قرر عدم خوض الانتخابات ثانية والعودة لممارسة وظيفته طبيبا في عيادته الخاصة، وهي عيادة يعرف الفقراء والمهمشون والبسطاء الطريق اليها جيدا .
نابلسي ارتبط بعمان منذ سنوات بعيدة، وصارت حياة العاصمة جزءا من ذاكرته التي ما تزال يقظة، وما زال يرى موقعه في صفوف المعارضة، ورغم انه عضو في نقابة الاطباء فقد انتسب كذلك لرابطة الكتاب، لان علاقته بالكتابة لم تنقطع، وحملت توقيعه مقالات كثيرة نشرت في صحف يومية واسبوعية.
لا يميل الى الصراخ او افتعال الضجيج، لكنه عنيد في التعبير عن قناعاته، وقادر على قول كلمته في اي موقع وزمان، ورغم ان خصومه لا يجاهرون باشهار عدائهم له، الا ان مريديه لا يتقدمون كذلك لتبني مواقفه، ربما بسبب حالة الرومنسية او العزلة او تراكم الخسارات، على الصعيدين الخاص والعام في حياة طبيب ظل منحازا لفطرته الاولى، معتقدا وهذا حقه : ان قدرته على علاج امراض الناس، تؤهله لممارسة دور الطبيب ايضا في علاج امراض المجتمع .