هل وقع المئات على بيان ضد بائع غاز في الأردن ؟

تم نشره الأحد 03rd تمّوز / يوليو 2016 12:19 صباحاً
هل وقع المئات على بيان ضد بائع غاز في الأردن ؟
د. فطين البداد .. وفي الصورة اجتماع الشخصيات الوطنية وبائع غاز

في زيارتي الأخيرة للأردن ، لفتني هذا الشاب المكافح الذي طلبت من سائقي التقاط صورة له ، كما وتمنيت على الأخوة في تحرير المدينة نيوز أن تنشر صورته ضمن مقالتي لهذا الأسبوع إن سمح رئيس التحرير بذلك .

أين تراه يذهب دافعا ثلاثة جرار غاز على عربة عرجاء ، بالتأكيد ، سيصل مكانا ما ، ولن يقتصر الأمر على " التوصيل " .. إذ سيقوم بإخراج " الجلد " من جيبه ، ومن ثم يشرع بنصب هذه الجرار في أماكنها التي لا ندري هل هي مطاعم أم بيوت أم محلات أم بائعو بسطات القهوة وأكشاكها التي تنتشر في عمان انتشار الأرجيلة ، ذلك أن آخر الدراسات قالت : إن الأردنيين هم الأول عربيا في التدخين والثالث على مستوى العالم ، ومن أجل ذلك فإن السيجارة وفنجان القهوة صنوان متلازمان .

أينما ذهبت في العالم تجد البحث حثيثا عن لقمة العيش ،فالعمل ليس عربة تجر عليها كيس طحين ، ولا مكتبا وكومبيوتر ، ولا بائع بسطة ، ولا صحفيا أو وزيرا أو رئيسا ، أو رجل أعمال فقط ، بل هو ما يحتاجه كل هؤلاء : إنه الطعام والشراب والكساء والرفاهية وحبة الدواء وأجرة التاكسي وتذكرة الطائرة ، وبغير العمل لا شيء من هذا يكون ، ولا سواه يتحقق .

الأردنيون ، بثقافة العيب التي تجتاح أغلب المتعطلين من شبابهم وبناتهم ، لا يفهمون هذه الحقيقة ، فتراهم وهم مع أصدقائهم يخجلون من شراء " ساندويش فلافل " أو حذاء على بسطة ، أو بنطال من " البالة " ، بل إن بعضهم يفضل السير ساعة في القيظ على أن يستقل " الباص " و" السرفيس " لكي لا يراه أحد من معارفه .

لقد فات أغلب المتعطلين أن العمل عبادة ، وعلى الإنسان أن يعمل أي عمل مشروع وقانوني ، بدل أن يجلس في منزله متثائبا وفاغرا فمه للذباب .

في الأردن مئات آلاف من الوافدين يعملون ، ومثلهم من الأجانب وجنسيات أخرى ، صحيح أن الرواتب عند الأغلبية في الحضيض ولا تكفي أسبوعا من نفقات العائلات ، ولكن شيئا أفضل من لا شيء بالتأكيد ، فلماذا نسمع عن بطالة بين الأردنيين ، بينما لا نرى عربيا في الأردن من الأشقاء عاطلا عن العمل سواء في عمان أو خارجها ؟ .

إنها ثقافة العيب كما قلنا :

فالأردني " أكبر " من أن يعمل " جرسونا " أو " على بسطة " أو عامل وطن في الأمانة والبلديات ، أو يجر عربة تحمل جرار غاز .. إنها " نفخة كذابة " و " كبرة فارغة ".

ظل الأردنيون يتكئون على موازنات الحكومات حتى وصلنا إلى 32 مليار دولار كديون مترتبة على البلد ، بل وصل الأمر إلى لجوء الحكومة إلى الإستدانة من مدخرات الأردنيين ، وهي نقطة خطرة لو كنتم تعلمون .

أدرك بأن الحكومات هي التي أغرقت البلاد في الديون ، وهي التي أكلت بسياساتها الإقتصادية المعتمدة على الجباية الأخضر واليابس ، ولكن أين ذهبت أغلب تلك الأموال ؟.

نظرة متفحصة على واقع العمل والتوظيف في الأردن ، لا بد سيجيب عن جزء من هذا السؤال ، وكما هو معروف ، فإن الجهاز الحكومي بات متخما بموظفين قال عنهم مروان المعشر ذات ندوة في عمان ، بصفته قريبا من الأمم المتحدة : إنها أعلى نسبة في العالم ، والسبب : هو بحث هؤلاء عن " التقاعد المضمون " و" المضمون " هنا تعني الحكومة ومؤسسات الدولة.

وأعجب ما قرأت الأسبوع الماضي ، هو قيام مئات الأردنيين ممن يوصفون بـ "النخبة " ولا أشك بصدقهم وانتمائهم وغيرتهم ، بإصدار بيان طالبوا فيه بإلغاء قانون صندوق الإستثمار ،بدعوى أنه قانون " تطبيعي " وأنه جاء لبيع مدخرات البلد للأجنبي ، وإذا كان المقصود بالأجنبي هنا " إسرائيل " فسبق وقلت في مقالة سابقة : إنه ما من وطني شريف يقبل ان تشاركه إسرائيل في أي عمل في البلد ، ولكن ماذا عن العرب والخليجيين عموما والسعوديين على وجه الخصوص ، وماذا عن الشركات الأجنبية الكبرى ورجال الأعمال والمهتمين بالإستثمار في الأردن من مختلف الملل والنحل ، هل نقول لهؤلاء : ممنوع الإقتراب ، ثم ، الإقتراب من ماذا بلا مؤاخذة ؟ .

وعودة لبيان هؤلاء فأسأل : هل يطلب الموقعون على البيان من الدولة أن تقول للسعوديين " يخلف عليكم ، بطلنا نشارككم في أي مشروع ، مع السلامة " ..

طيب ، وإذا فعلت الحكومة ذلك ، فماذا بعد ؟؟ .

ثقافة العيب ، وأمثال بعض هؤلاء ( أتحدث عن البعض منهم ) ممن لا زالوا قومجيين يدافعون عن مجازر النظام في سوريا وإيران في المنطقة بزعم الوقوف في وجه الصهيونية والإمبريالية والإستعمار والتبعية والإنبطاح والإنسطاح ، ومفردات مشابهة تعودنا على سماعها منذ الطفولة ، هؤلاء وأولئك هم من يشدنا إلى القاع ، ويغمسنا في الرماد : فهم لا يضعون حلولا للأزمات ، ولا شفاء للجراحات ، وفاتهم أن الأردنيين يدفعون ما يصل إلى 83 % من موازنات الحكومات السنوية من جيوبهم ودماء أبنائهم ، ولولا هذا الدفع وهذا النزيف لما كان بالإمكان أن تسير الأمور أو أن يستلم المتقاعدون رواتبهم ، ولقد فات " البعض " من هؤلاء أو أنهم يعرفون ويحرفون : أنه لولا حنكة القيادة في هذا البلد وتمكنها بعلاقاتها العالية والمتميزة مع القوى الكبرى لتخلت عنا المؤسسات الدولية ، ولأصبح الدينار عشرين أو خمسة عشر قرشا أو أقل ، ولكنها ضمانات القروض والعزيمة والتحدي والإصرار التي وصلت إلى تثبيت شراكات استراتيجية مع اقتصاديات أقوى من الأردن بمئات المرات ، وهنا بيت القصيد .

لقد كان هذا البيان ، الذي وقعه مئات الشخصيات ، وفق وجهة نظري التي لا ألزم بها أحدا ، موجها ضد بائع الغاز ، وضد الطالب والمهندس والطبيب وضد انتعاش الإقتصاد ..

على كل المتعطلين في الأردن من البسطاء وخريجي الجامعات أن يتأسوا ببائع الغاز ، ولكن ليس على أي منهم - بسطاء وخريجين وغير خريجين - أن ينخدعوا بالقول : إن الأردن باستطاعته الخروج من أزمته الإقتصادية بسياسة الإنغلاق والأسوار الحديدية في زمن الإنفتاح الإقتصادي والقرن الحادي والعشرين .

مطلوب من الحكومة تنفيذ الإستراتيجية الوطنية بدون أدنى التفات لقوى الشد العكسي ، حزبيين وغير حزبيين ، قومجيين وغير قومجيين ، وإلا فإننا سنفقد البوصلة تماما ونضيع في العراء .

كل عام والأردن الحبيب وشعبه العزيز وقيادته الحكيمة بألف خير .

د. فطين البداد

fateen@jbcgroup.tv

 

 



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات