خبراء اعلاميون يحذرون من تنامي خطاب الكراهية عبر مواقع التواصل الاجتماعي

المدينة نيوز:- - يرى خبراء اعلاميون أنه لا يمكن تجاهل الفائدة التي احدثتها وسائل التواصل الاجتماعي بمحتلف أنواعها، إلا أن بعض المواقع الالكترونية جعلت من منابرها بابا لنشر أفكار ومعتقدات تزيد من الأحقاد والكراهية وتفتح نوافذ لتصفية الحسابات قد تكون لمنافع شخصية أو تخدم جهات غير مسؤولة.
ويحذر هؤلاء أن تفرض "الأقلية الصارخة" أجندتها وحضورها الاعلامي وتسحب البساط من تحت أقدام الإعلام التقليدي، فتتلاعب بامزجة الرأي العام، مؤكدين ان الرهان في هذه المرحلة على ثقافة ووعي المجتمع الذي عليه التمييز بين الغث والسمين. الشريف: اشاعات تسهم في بلبلة الرأي العام وتؤثر على السلم الأهلي والمجتمعي ويبين وزير الإعلام الأسبق الدكتور نبيل الشريف "أننا أمام واقع إعلامي جديد تقوم به مواقع التواصل الإجتماعي من شأنه التأثير على المجتمعات، الأمر الذي يحتاج إلى وقفة تأمل للتعامل مع هذا الواقع"، لافتاً إلى أن بعض الاضخاص يقومون بإطلاق الإشاعات التي تسهم في بلبلة الرأي العام والتأثير على السلم الأهلي والمجتمعي.
ويقول إن هذا الأمر ليس بريئاً وإنما يقف خلفه أفراداً أو جهات تتعمد الإساءة والتكذيب وإثارة الفتن، وعلى الإعلام التصدي لهذه الممارسات التي تعد حرباً مستترة تستهدف مجتمعاتنا ممثلة بالمواطنين والمؤسسات، وباتت تقلق منظومة الأمن الإجتماعي.
وينتقد الشريف آلية التعامل التقليدية مع الممارسات التي تعمل على إثارة النعرات الطائفية والمذهبية وتكرس خطاب الكراهية، الأمر الذي يدعو إلى حالة استنفار تتعاطى مع خطورة هذه الممارسات التي تتنافى مع قيم وعادات مجتمعنا.
وبالنظر إلى أهمية هذه المواقع، فإن الحل بالتعامل معها وفقاً للشريف لا يكمن فقط بالعقاب أو إغلاق الصفحات، وإنما بجعل هذه المنصات منبراً لنشر ثقافة التسامح والعيش المشترك تحصيناً للجمهور المتلقي.
وفي إطار إيجاد حلول للتصدي لهذه الممارسات الظلامية، يدعو الشريف إلى توسيع قاعدة تدريس مادة الثقافة الإعلامية في الجامعات لتمكين الطلاب الذين يمثلون الأغلبية في مجتمعنا من تمييز الغث من السمين في تلقي المعلومة التي تشكل خطراً في حال تركها لدخلاء المهنة والموتورين.
المومني : يجب محاربة ما تنشره مواقع التواصل الاجتماعي من بذور للكراهية ويشير نقيب الصحفيين الأردنيين الزميل طارق المومني إلى أننا بدأنا نلحظ في الآونة الأخيرة خروج عن آداب وأخلاقيات مهنة الصحافة والعمل الإعلامي في مواقع التواصل الاجتماعي، إضافة إلى إساءة استخدام هذه المواقع بعكس الغاية الإيجابية التي وجدت من أجلها هذه الوسائل في نشر المعلومة الصحيحة والدقيقة، الأمر الذي يعكس عدم التزام البعض بالأخلاق والاعتماد على إشاعات أو وشايات من شأنها التأثير على السلم الأهلي وسلامة المجتمعات بصفة عامة.
ويلفت إلى أن التجاوزات التي تمارس في هذه المواقع أصبحت واضحة ، الأمر الذي يؤكد ضرورة التنبيه من مخاطر استخدامها بغير الغاية الأساسية منها، إضافة إلى أهمية الحفاظ على السلم الأهلي والمجتمعي والتركيز على توعية الناس وتثقيفهم وإيصال الرسائل الصحيحة والدقيقة إليهم، موضحاً أن ذلك يحتاج إلى تكاتف جهود الجميع لمحاربة ما نشهده على مواقع التواصل الاجتماعي من نشر لبذور الكراهية وإثارة للنعرات الطائفية، وبخاصة أن مجتمعنا الأردني معافى منذ سنوات طويلة من هذه السلوكيات.
ويدعو إلى اتخاذ موقف حازم وجاد بحق كل من تسول له نفسه الإساءة وتجاوز استخدام هذه المواقع بغير الهدف الأساسي الذي وجدت من أجله.
ويوضح المومني بأن معظم وسائلنا الإعلامية (المرئية، والمسموعة، والمقروءة) لديها حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي، وبالتالي يجب أن توظف في خدمة الناس وتثقيفهم، إضافة إلى التحذير من مغبة ممارسة السلوكيات غير المقبولة اجتماعيا ، لافتاً بأن على المؤسسات الإعلامية والأفراد وخاصة "المؤثرين" منهم دوراً في عكس الصورة الإيجابية للوطن والتأكيد على القواسم المشتركة بين الناس ومحاربة ظواهر خطاب الكراهية وإثارة النعرات الطائفية وغيرها.
ويؤكد أن مجتمعنا مثالاً في التعايش والتسامح، الأمر الذي يتطلب المحافظة على هذه الميزة التي لا توجد في العديد من المجتمعات، وتعزيز وحدة الصف والتكاتف في مواجهة مختلف التحديات والأخطار التي تحدق بنا في هذه المنطقة .
الشبول: هناك سوء استخدام لمواقع التواصل الاجتماعي يتنافى مع أهداف وجودها.
ويقول مدير عام وكالة الأنباء الأردنية (بترا) الزميل فيصل الشبول أن التواصل الاجتماعي حلقة من حلقات تطور التواصل الإنساني بوجه عام، إضافة إلى كونها تحمل مضامين إعلامية للجمهور في العديد من الجوانب رغم أنها غير مقيدة بالتشريعات والأخلاقيات التي تحكم مهنة الإعلام، مؤكداًبأن هذه المواقع أثرت بصورة مباشرة وملموسة في اتجاهات الرأي العام، ولكن الرهان ليس على ما يبث أو ينشر على هذه المواقع، بل الرهان الحقيقي هو على ثقافة المجتمع المتلقي.
ويضيف بأننا قد لاحظنا خلال الفترة الأخيرة كيف تصدى المجتمع ولو بصورة غير منظمة أو مؤطرة لبعض السلبيات التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، وفي المقابل كيف كانت ردة فعل المجتمع (العنيفة لفظياً) إزاء بعض ما نشر في حادثة أخرى، مبيناً أن الرهان أيضاً على ثقافة المجتمع بالتمييز بين ماهو حقيقي وما هو (مفبرك)، وذلك أن حجم "الضخ المعلوماتي" على هذه المواقع لا يتسم بالمصداقية أو الموضوعية أو الدقة بشكل صريح، الأمر الذي يتطلب زيادة قدرة مؤسسات الخدمة العامة الإعلامية على إيصال الحقيقة إلى الجمهور وبالتالي مساعدته على التمييز بين الغث والسمين فيما يتعرض له ويتلقاه من معلومات وأخبار.
ويشير الشبول إلى أن نسبة كبيرة من محتوى مواقع التواصل الإجتماعي مصدره الإعلام الرسمي، ومن هنا يأتي الخلط لأن بعض وسائل الإعلام لا تفكر بالحقيقة بقدر ما تفكر بنفسها، الأمر الذي يؤكد ضرورة تدخل أجهزة توجيه الرأي العام في إطفاء لهيب حماسة الشباب في مواجهة ما ينشر ويمس المعتقدات والثوابت، وأن تتوجه للتفكير والتخطيط السليم منعاً للتطرف ، إضافة إلى أهمية تعويد الرأي العام على قبول الرأي الآخر ومنع أي محاولة من شأنها العبث والمساس في وحدة وثقافة المجتمع ومعتقداته.
ويلفت إلى أن أي تطور يجب أن يأخذ مداه عبر فترة من الزمن، منوهاً الى وجود سوء استخدام لمواقع التواصل الاجتماعي يتنافى مع الأهداف الأساسية من وجودها، حيث يفترض أن تشكل هذه المواقع نماذجا للتعايش والثقافة والحوار الهادف، لا أن تستخدم لنشر الإرهاب والأفكار المتطرفة والكراهية، مؤكداً في الوقت ذاته أنه قد اعتدنا في كل فترة زمنية تخرج لنا ظاهرة إعلامية تأخذ مداها وتجربتها ومن ثم تنطفىء، مثل (الصحف الأسبوعية، المواقع الإلكترونية، ...)، الأمر الذي يؤكد أن تجربة هذه المواقع لم تأخذ مداها بعد ، عادا أن الإيجابية في هذه المواقع تكمن في عدالة استخدامها إلا أن سلبيتها الرئيسية تتحدد بعدم خضوعها للرقابة.
ويرى الشبول أن الرهان الحقيقي يقع على الجيل الجديد، ذلك أن هذا الجيل أخذ العديد من الفرص التي لم تتح للأجيال التي سبقته، لافتاً بأن المجتمع بطبيعته يصير إلى طرد السلبية وتعظيم الإيجابية، ما يؤكد بأن الرهان على مجتمعنا الأردني هو رهان حقيقي يدعو إلى التفاؤل بوجه عام.
الطاهات: "بعض المواقع تفرض اجندتها وتتلاعب بالقضايا الوطنية وبذات الاتجاه، يشير أستاذ الإعلام في جامعة اليرموك الدكتور خلف الطاهات إلى مصطلح "الأقلية الصارخة"، الذي يحدده بمجموعة من الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي، الذين لديهم حضورا مؤثرا على هذه المواقع وهم من غير الإعلاميين، موضحاً أنهم قد سحبوا البساط من تحت أقدام الإعلام التقليدي وباتوا يفرضون أجندتهم وطبيعة مضمون القضايا التي تناقش عبر هذا الفضاء، الأمر الذي يعكس أهمية مواقع التواصل الاجتماعي وصحافة المواطن ومدى انتشارها، حيث أضحت تشكل أجندة بعض مؤسسات الدولة في العديد من القضايا المهمة، والدليل على ذلك قيام بعض الأشخاص غير المحترفين بالعمل الإعلامي، ولكن لهم تأثيرهم على مواقع التواصل الاجتماعي فأصبحوا يحركون بعض المؤسسات للتفاعل والرد والنفي والتوضيح، حيث يقوم هؤلاء الأشخاص بعمل مؤسسات إعلامية احترافية،" الأمر الذي يؤكد خطورة هذا الأمر" على حد قوله.
ويبين أن هذه الظاهرة أضحت تتلاعب بأجندة الوطن والقضايا الأساسية التي يجب أن نركز عليها، إضافة إلى التلاعب بالمزاج والرأي العام، حيث يتم تناول هذه القضايا بجهل ودون أدنى حس بالمسؤولية الوطنية.
وحول الأسباب التي أدت إلى بروز مواقع التواصل الاجتماعي على حساب الوسائل الإعلامية التقليدية واعتمادها مصدراً لتلقي المعلومات والبيانات المختلفة، يوضح الطاهات أن المجتمع الأردني بطبيعته يحب متابعة تطورات الأحداث والقضايا المختلفة، إضافة إلى دعم الحريات العامة وأبرزها حرية الرأي والتعبير واستخدام الإنترنت، الذي يعد بحد ذاته وسيطا ديمقراطيا لا يوجد عليه أية قيود أو رقابة مباشرة، لافتا الى تعطش الناس لتلقي المعلومات ومتابعة الأحداث خاصة فنحن نعيش وسط إقليم ملتهب، أسهمت بمجملها بزيادة متابعة مواقع التواصل الاجتماعي والتفاعل مع المضامين التي تطرح فيها.
ويرى الطاهات أن أبرز الحلول حول هذا الأمر تكمن بداية في الجلوس مع الأشخاص المؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي لتوجيههم وزيادة إدراكهم في المسؤولية الوطنية الأخلاقية تجاه ما يتم تناوله على المواقع، وتعزيز قيم الموضوعية والتوازن والدقة والحيادية لديهم من خلال تقديم دورات متخصصة وجلسات عصف ذهني ، مشدداً على ضرورة وجود آلية لاستيعاب هؤلاء الأشخاص وتوجيههم وحثهم على زيادة التماسك الاجتماعي الوطني بوجه عام.
ويشار الى أن تقرير مرصد مصداقية الإعلام الأردني "أكيد" نشر مؤخرا ، تحت عنوان "ظاهرة "الأقلية الصارخة" تروّج لخطاب كراهية طائفي"، خلصت نتائجه إلى وجود دور واضح لمجموعة من الناشطين على مواقع التواصل الإجتماعي في خلق حالة من الاستقطاب بين مؤيد ومعارض في العديد من القضايا، كما أوضحت نتائج التتبع "أن أقلية من الناشطين الذين يتمتعون بخصائص ترتبط بالقدرة على انتاج المحتوى المثير والجاذب، أو طرح القضايا الحساسة والمستفزة ولديهم ديناميكية التفاعل الذي يستجيب لطبيعة مواقع التواصل الإجتماعي، هم من يخلقون أحياناً حالة شبه افتراضية قد لا يكون لها معادل موضوعي في الواقع كما هو الحال في خطاب الكراهية الطائفي"، كما يلفت التقرير إلى "أن المتتبع لمواقع التواصل الاجتماعي في الأردن يلاحظ ازدياد حدة النقاشات على هذه الصفحات، وتنامي خطاب التحريض والكراهية حتى بات هذا الخطاب ظاهرة مقلقة تهدد النسيج الاجتماعي والوطني والسلم الأهلي".
أبو عرقوب يحذر من خطاب الكراهية ويحذر عميد كلية الإعلام في جامعة الزرقاء الأهلية الدكتور إبراهيم أبو عرقوب من خطاب الكراهية الذي تبثه جهات في مواقع التواصل الاجتماعي بهدف نشر سموم الحقد الأسود والكره والتطرف بين المجتمعات ولا سيما الشباب وهي الفئة الأكثر تعرضاً لهذه المواقع.
ويتحكم بنشر هذا الخطاب حسب أبو عرقوب الكلمة والصورة والحروب، فأي دولة ترغب بشن حرب على دولة أخرى تبدأ بخطاب الكراهية وهذا يجعل منها مشكلة عالمية لا يمكن ضبطها لكونها متعلقة بمصالح شركات الإتصالات إلى جانب جهات حكومية.
ويأمل أن يتحمل القضاء مسؤولياته تجاه هذا الخطاب وهذه الممارسات من خلال سن قوانين تحت بند "التشهير"، فيما طالب هيئات الرقابة الإعلامية بوضع قوانين تلزم مواقع التواصل الاجتماعي بتحرير مواد النشر قبل التعامل معها.
وينتقد آلية الرقابة التي تنفذها الجهات المختصة في الأردن بكونها "رقابة بعدية"، مطالباً بهذا الصدد بضرورة وجود رقابة قبلية وذاتية ثم حكومية، وبأن تتولى وزارتا الشباب والثقافة مسؤولياتهما تجاه توعية الشباب ونشر ثقافة التسامح التي تسود مجتمعنا الأردني وما نلحظه هو دخيل عليه.
ويلفت أبو عرقوب إلى أن إقبال الجمهور على مواقع التواصل الاجتماعي وتحديداً فئة الشباب هو نتاج عدم قيام بعض مؤسسات الإعلام بدورها في إعطاء المعلومة وتوضيحها، الأمر الذي أتاح الفرصة لدخلاء المهنة والجهات المسمومة ببث خطاب الكراهية لمصالح ذاتية تارة، وموجهة تارة أخرى.