اكتشف، أي نوع من ألاباء أنت؟
المدينة نيوز :- بعد التغيير الذي طرأ في الأعوام الماضية على العلاقات العاطفيّة والاجتماعيّة، وبعدما حظيت المرأة بمكانة مهمّة في أوساط العمل، تبدّل دور الرجل أيضاً وأصبح مضطراً للعناية بأولاده وتكريس وقت خاص لهم. إكتشفي إذاً مَن هو الأب المثالي.
لا شكّ في أنّ صورة الأب ومكانته في الأسرة تغيّرت إثر اكتساب المرأة الحقّ في العمل. فبعدما كانت مسؤولية الرجل مقتصرة على العمل خارج المنزل وتأمين مستلزمات أسرته المادية، فيما تهتمّ المرأة بتربية الاولاد ورعايتهم وتأمين حاجات المنزل، طرأ تغيير على الادوار والمسؤوليات. وأصبحت المرأة اليوم تعمل في المنزل وخارجه لتقاسُم المصاريف.
لكنّ رجالاً كثيرين لم يتقبّلوا بعد هذا التغيير الذي طرأ على حياتهم، ونجد عدداً منهم تائهين لا يُجيدون العناية بأطفالهم ولا يعلمون ما الذي يريده منهم المجتمع وما هي نظرته تجاههم.
ولذلك، وجد العلماء أنّ هناك خمسة أنواع مختلفة من الآباء، فتعرّفي إليها:
1 -الأب الغائب
بحسب عالم النفس دانييل كوم، ثمّة رجال يكونون غائبين تماماً عن أطفالهم وأفراد أسرتهم إمّا بسبب أعمالهم الكثيرة ودواعي السفر، أو بسبب الطلاق أحياناً. ولكنه يوضح قائلاً: «هذا الغياب الجسدي لا تُرافقه حكماً مشكلات واضطرابات نفسية لدى الطفل، خصوصاً إذا كان الأب قريباً منه من الناحية النفسية ويسأل عنه باستمرار».
ولكنّ عالم النفس يحذّر من غياب الأب الطويل وتأثيره السلبي في نفسية الاطفال ما دون السنتين، لأنّه قد يؤدي الى انعكاسات نفسيّة خطيرة، خصوصاً أن الطفل في هذه المرحلة لا يكون اكتسبَ بعد الوعي الكافي لِفَهم غياب الأب.
ولتفادي المشكلات النفسية الخطيرة على الاولاد بسبب غياب آبائهم، يدعو كوم النساء الى عدم التذمّر أمام أطفالهنّ. وقال: «بالطبع يحقّ للمرأة التذمُّر من غياب زوجها الطويل عن منزله وتفضيله عمله على رعاية أطفاله، ويحقّ لها أن تشعر بالغضب لتقصيره في مسؤولياته الأبوية، ولكن عليها ألّا تفعل ذلك على مسامع أطفالها، بل الحرص على تكريس صورة إيجابية عن الأب في نفوسهم وعقولهم».
2 - الأب -الأمّ
«ثمّة نوع آخر من الآباء، هو ذاكَ الذي يعيش الأمومة بكلّ حذافيرها، فيطعم أطفاله، ويحرص على نظافتهم، ويشرف على حمّامهم ونومهم»، وفق ما أوضح المُحلّل النفسي الأُسَري إريك ترابينييه. إلّا أنّه ميّز بين أنواع عدّة من هؤلاء الآباء «فمنهم من يكونون متوازنين نفسيّاً ويرغبون فعلاً في عيش الأمومة مع أطفالهم، وهذا ما يخلق جوّاً متناغماً وسعيداً في المنزل، ويُساعد الأطفال على النموّ السليم».
ولكنّ ترابينييه حذَّرَ من انضواء اهتمام الأب الزائد بأطفاله على أفكار انتقاميّة، قائلاً: «أحياناً، يرعى الأب أولاده، ويحرص على إطعامهم وتأمين كلّ مستلزماتهم، وذلك ليحدّ من دور الأم وكَسر صورتها المهمّة في نظر أولادها». وأضاف ترابينييه: «عندما يخلق موقف الأب الأموميّ توتّراً في المنزل، على الزوجين التواصل لإيجاد الحلول المناسبة، لئلّا يؤثّر ذلك في نموّ الأطفال، وقد يكون من الأفضل زيارة الطبيب النفسي إذا لزمَ الأمر».
3 -الأب الصديق
إلى ذلك، يقول المحلّل النفسي باتريك أفران، إنَّ الأب يُمكنه تأدية دور الصديق مع أولاده، فيتقرّب منهم ويتفهّمهم بشكل استثنائي، يُشاركهم مصالحهم ونظرتهم إلى الحياة، يلعب معهم وأحياناً يرتدي مثلهم. «فالأب الصديق هو النموذج المعاكس لنموذج الآباء السلطويّين والمُستبدّين الذين يتحكّمون بحياة أولادهم بطريقة سافرة ويتكلّمون معهم بصيغة الأمر»، حسب ما أكّد أفران، موضحاً أنّ «الأب الصديق يتكلّم مع أبنائه بطريقة حضارية، ويُتيح لهم فرصة التعبير عن آرائهم بحرّية والقيام بالتصرّفات التي يرغبون فيها مع أخذ الحيطة والحذر، وهذا ما يعزّز ثقتهم بأنفسهم أكثر».
ويلفت أفران إلى أنَّ «الطفل يُقدِّر الطريقة التي يعامله بها والده، إلّا أنّه قد يشعر في الوقت نفسه بالانزعاج من قربه منه ومن عجزه عَن الحصول على مساحته الخاصّة والمُستقلّة». ويُضيف: «كذلك، قد تشعر الأمّ بالانزعاج من تصرّفات زوجها الذي يحاول تقويض سلطتها ويمنعها من ممارسة دورها بالشكل المناسب».
4 - الأب المنافس
من جهته، يتحدّث المتخصص في علم النفس السريري برونو ديكوريه، عن بعض أنواع الرجال الذين يتعاملون مع أولادهم بروح المنافسة، مؤكّداً أنَّ في هذه الحال «يغار الأب من ابنه، خصوصاً إذا كان صبياً، لأنّه يحظى باهتمام الامّ ووقتها في طفولته، ويحظى بإعجاب الفتيات في مراهقته ونضوجه». وأوضح أنّ «تصرُّف الأب هذا تجاه أولاده وغيرته منهم، نابعٌ من فقدانه ثقته بنفسه، ومن خوفه على زوال رجولته إثر أبوّته».
وحذّر ديكوريه من مخاطر هذا التصرّف، «لأنّه قد يؤدّي إلى آثار جانبيّة خطيرة، فعندما يعامل الوالد ابنه كأنّه منافسه، قد يلجأ الصغير الى أمّه للبحث عن الأمان، فلا يعود قادراً على الابتعاد عنها لتكوين شخصيّته المستقلّة، وهذا ما يعزّز غيرة والده تجاهه».
ولخفض نسبة التوتّر بين الأب والابن، دعا ديكوريه الأمّ الى «طمأنه زوجها وإيلائه الاهتمام الكافي والتأكيد له أنّ قدرته على الاغراء ورجولته لم تتأثّرا بأبوّته، وهذا ما يجعل الوالد يتقبّل ابنه أكثر ولا يغار منه».
5 -الأب المُرغَم
«ثمّة آباء يعيشون أبوّتهم غصباً عنهم، كأنّها حصلت رغماً عن إرادتهم»، وفقَ ما أكّدت المُحلّلة النفسيّة صوفي مارينوبولوس. وتقول: «في بعض الحالات، يكره الرجال حال الأبوّة، إمّا لأنّ الزوجة رغبت في الانجاب وعيش الامومة، أو لأنّ الحملَ حصلَ مُصادفة».
إلّا أنّها توضح أنّ «هذا لا يعني بالضرورة أنَّ الآباء سيستمرّون في عيش الأبوَّة مُكرهين، لأنَّ الوقتَ كفيلٌ في مُساعدتهم على تقبُّل الواقع، حيث إنّهم سيأخذون وقتهم في التحليل والتفكير والتساؤل عن دورهم الجديد وحجم المسؤولية المُلقاة على عاتقهم، فيما يرفض آخرون الوضع تماماً وينفرون من أبوّتهم». ومع الوقت، قد يتمكّن الأب من استيعاب وضعه الجديد وتقبّل أبوّته.
وتوضح المحلّلة النفسيّة أنّ هذه العلاقة الأبوية البطيئة هي من أحسن أنواع العلاقات، داعيةً الأمّ إلى مُساعدة زوجها على بناء علاقة ودّية مع ابنه وتقبّله أكثر، «ويمكنها أيضاً تعزيز هذه العلاقة، من خلال بناء صورة جميلة للأب في ذهن الطفل، من خلال استخدام تعابير جميلة في الحديث عنه، وفي تبرير غيابه».
من هو إذاً؟
في الختام الاب الجيّد أو المثالي، هو ذلك الذي يتقبّل أطفاله ويبني معهم علاقة متينة مبنية على الاحترام المُتبادل، بعيداً من العنف والغيرة والمنافسة والتسلّط، من دون أن يُلغي الوقت نفسه مكانة الام ودورها. والأب المثالي هو الذي يتقبّل حاجات أطفاله الجسدية والنفسية ويتفهّمها، ولا يغيب عن المنزل بل يواكب نموّ أطفالهم وتطوّرهم، فارضاً بالضرورة بعض الشروط لضمان التوازن في العائلة.