يا رب : هب لي جناحين أحلق بهما بعيدا !

المدينة نيوز - كتب رئيس التحرير - : يصر جهاد جبارة ، الذي أنا وهو على طرفي تناقض في كل شيء إلا حب الصحراء والليل والقمر والبعد عن البشر ، يصر أن " يقرفني " و " يقرفكم " بهذا الإبداع الجميل الرائع ..
طوال الأسبوع الماضي كان جهاد يحاول الإتصال بي ، كنت أهرب من إلحاحه الذي لا يتوقف ، وتفاصيله التي يلح فيها على معرفة النقاط وعلامات الترقيم ، كنت أعلم أنه سيكون عاصفا على الطرف الآخر من الخط ، ولما توقف هاتفي عن الرنين افتقدته فعلا ، لأكتشف أنه هرب مني إلى الصحراء ، وعاد بهذا الصيد ..
مقطوعة نثرية تشبه الصهيل ، وصورة لا توصف من صحراء الرويشد ، ذلك اللغز الذي يحاول جهاد جبارة حله ولكن هيهات .
أترككم مع هذا المبدع الذي أخاصمه فعلا ، ولكن لا أقوى على فراق نصوصه وعدسته :
التيمم بتراب القيعان
" عندما تكون في حضرة الوطن,عليك بالطهارة,والنقاء,وصفاء القلب.
وعندما تهم بالسجود له,فكأنما تسجُدُ لخالقه,ومكونه,ومبدعه,قالها صاحبُنا المولع بالتراب حد الهوس,قبل أن يحمل جسده الذي تلوث بأدخنة عربات,وأراجيل,ولفائف تبغ,وخداع المدن.
قالها بعد أن ضاق صدره,ولم يعُد يحتمل الضباب المنبعث من أفواه السادة المُرائين,فليس ثمة من دواء يشفي من هذا الداء سوى الإغتسال بماء السماء,وإن تعذر ذلك فعليك بالتيمُم,رددها صاحبنا وهو يحمل هيكله العظمي الذي غطاه بعض لحم وهو في طريقه نحو القاع النائي البعيد الذي تعرّف إليه,وصادقه منذ أن كان نُطفة ربما!.
صاحبنا المُولع بالتراب حدّ الهوس,راح يلهث راكضاً نحو ذلك القاع في اليوم الأول من الخريف قبل أن تُداهم البيداء غيماته المجنونة,فتُغرق القاع,ويضحى ترابه بعيد المنال.
صاحبنا الذي أراد أن يُقدم اعتذاراً للوطن بدلاً عن أولئك الكذبة المُرائين,وجد أن التيمم بتراب القيعان البعيدة سيُخلصه من التلوث الذي أصابه,وسيغدو حينها نظيفاً يحق له السجود في حضرة الوطن كي يرجو الله ألا يؤاخذنا على ما فعل السفهاءُ منا.
ثمة في حضن الأردن العديد من القيعان,لكن صاحبنا اختار قاع "أم المناجي "ذلك البعيد الذي يقع إلى الشمال الشرقي من "الرويشد ",فهناك تُسلب الأرواح من الهواتف الجوالة,فتموت,وهناك حيث القاع صفصفٌ فلا نبات,ولا إنسٌ,ولا جنيّ,وهناك حيث الأرض بكرٌ تتباهى بعذريتها,وهناك يُختصر الكون ليغدو قبة سماوية تتدلى منها النجوم لتُنير ذلك القاع ولا مكان سواه!,وهناك حيثُ تراب القاع يحرق القدمين الحافيتين نهاراً لكنه يحنو عليهما ليلاً,هناك حيثُ لا ضجيج سوى دقات القلب على جدار الصدر,هناك حيثُ لا ضؤ سوى قمرٍ إن حضر,وسوى نارٍ يكاد لسانها أن يرتجف هلعاً من هيبة سكون المكان.
هناك خلع صاحبنا حذائيه كي لا يُلوث بهما طهر تراب القاع,وعندما هم أن يجثو على ركبتيه كي يمسح جبينه بترابه,باغته صوت خفق أجنحة طيور مهاجرة أمّت المكان هي الأخرى كي تلثم بمناقيرها تضاريس القاع قبل أن تُواصل رحلتها نحو السهوب الإفريقية البعيدة.
يا ألله,هبني جناحين مثلها كي أحلّق بهما بعيداً عن هذا العالم! "قالها صاحبنا ثم مات "!
جهاد جبارة
( خاص بالمدينة نيوز ) .
www.saheelnews.com
jihadjbara@saheelnews.com
جبارة في الصحراء