المسؤولية القانونية المترتبة عن إخفاء المصاب بفيروس كورونا

تم نشره الثلاثاء 07 نيسان / أبريل 2020 10:22 مساءً
المسؤولية القانونية المترتبة عن إخفاء المصاب بفيروس كورونا
د. رائد بيان

يُطرح تساؤل هام في مجال المسؤولية الجنائية، ولاسيما في نطاق ممارسة بعض الاشخاص مع علمهم بإصاباتهم بفيروس كورونا كالامتناع عن الذهاب إلى المستشفى لحجرهم صحياً، أو عدم عزل أنفسهم في المنزل، أو عدم التزامهم بالتدابير والإجراءات التي تفرضها الجهات المختصة من اجل حماية أنفسهم وإنقاذ الآخرين من الإصابة ، وكذلك ممارسات بعض اشخاص مقدمي الخدمة الطبية والصحية بإخفاء المصابين بالفيروس، وعدم التبليغ عنهم، أو التأخر بالتبليغ عن المشتبه باصابتهم للجهات المختصة، مما يعد من قبيل جرائم الإخفاء أو التأخر أو عدم الابلاغ عن أي شخص مصاب بفيروس كورونا ونقل العدوى إلى الغير، فما مدى تجريم ومعاقبة الشخص المصاب بالفيروس أو مقدم الخدمة الطبية والصحية في حال إخفاء أو التأخر أو عدم الإبلاغ عن المصاب بفيروس كورونا؟ مما قد يتسسبب بنقل هذا الفيروس لغيرة عن قصدٍ أو عن خطأ وتحدث تبعاً لذلك حالة وفاه أو إيذاء.

بات من الواضح للقاصي والداني بأن فيروس كورونا يعتبر من الامراض السارية والمعدية ومدى خطورتة على صحة الإنسان وسرعة انتشاره بطريقة مباشرة أو غير مباشرة بين بني البشر، ولا شك بان الوسيلة الوحيدة للوقاية من العدوى بهذا الفيروس ومنع انتشاره بين الأشخاص هو بعزل المصاب في مكانٍ بعيد عن غيره من الأشخاص في المنزل أو الحجر الصحي.

وقد ساهمت وسائل الاعلام ووسائل التواصل الاجتماعي والجهات الصحية المختصة في تعزيز ونشر ثقافة ومعرفة الأشخاص بجميع الأعراض التي تظهر على المصاب بهذا الفيروس، ومن المبادئ القانونية الراسخه "مبدأ عدم جواز الاعتذار بالجهل بالقانون" وعليه فإن ادعاء أي شخص أو مقدم الخدمة الطبية والصحية بعدم المعرفة أو الجهل بعدم الابلاغ عن هذا المرض يوقعه في مشكلات جسيمة واخطاء هو في غنى عنها لو كلف نفسه البحث والاطلاع أولا بأول على القوانين واوامر الدفاع الصادرة والتقيد بتنفيذها، حيث أن قطرة واحدة من بحر القانون تحمي من الغرق في كثير من المشكلات والجرائم، فلا يجوز لأحد أيا كان أن يقول إنني أجهل القانون ولا أعلم به، فالعلم بالقانون مفترض ولا يحتاج إلى دليل عليه، ويقال لا يُعذر المرء بجهله بالقانون لأن العلم به مفترض، ولا ضوابط لذلك.

ومن هنا لابد لنا من الإشارة إلى أرقام المواد القانونية التي يمكن بمقتضاها تجريم ومعاقبة إخفاء أو التأخر في عدم الإبلاغ عن المصاب بفيروس كورونا وهي المواد (326،327،328،333،334،343،344) من قانون العقوبات الأردني، وسنكتفي بذكر أرقام هذه المواد لأن المقام هنا لا يسمح بكتابتها بشكلٍ تفصيلي ، ولكن من المفيد الإشارة هنا إلى النصوص القانونية الخاصة التي تُجرّم وتُعاقب على سلوك إخفاء أو عدم الإبلاغ عن المصاب بفيروس كورونا، وتتمثل هذه النصوص بنص الفقرة (ب) من المادة (22) من قانون الصحـــــة العامة رقم (47) لسنة 2008 التي نصت على أنه : ( كل من أخفى عن قصد مصاباً أو عرّض شخصاً للعدوى بمرض وبائي أو تسبب عن قصد بنقل العدوى للغير أو امتنع عن تنفيذ أي إجراء طُلب منه لمنع تفشي العدوى يُعتبر أنه ارتكب جرماً يعاقب عليه بمقتضى أحكام هذا القانون)، ونص الفقرة (أ) من المادة (20) من القانون ذاته والذي أوجب الإبلاغ عن المرض المعدي فورا بهذه الصيغه: (يجب على كل طبيب اشرف او اشترك في معالجة أي مصاب بمرض معد ان يبلغ المدير في منطقته عن الاصابة او الوفاة بهذا المرض خلال اربع وعشرين ساعة من حدوثها اما اذا كان المرض خطيرا او منتشرا بشكل وباء فيكون التبليغ فوريا وتسري احكام هذه الفقرة على مسؤول المختبر الطبي الذي اكتشف هذا المرض).

كما تجدر الاشارة إلى نص الفقرة (ط) من قانون المسؤولية الطبية والصحية رقم (25) لسنة 2018 الذي جاء بهذه الصيغة: (على مقدم الخدمة الالتزام بالقواعد والمعايير والإجراءات الخاصة بممارسة المهنة تبعا لدرجته ومجال تخصصه وتوثيق ذلك في ملف متلقي الخدمة وعلى الطبيب بشكل خاص الالتزام بما يلي:- ط- الإبلاغ عن الاشتباه في إصابة أي شخص بأحد الأمراض السارية وفقا للإجراءات المحددة بالتشريعات المنظمة لمكافحة الأمراض السارية).

وقد نصت المادة(66) من قانون الصحة العامة سابق الذكر على عقوبة من اخفى أو تأخر في عدم الإبلاغ عن المصاب بمرض معد كفيروس كورونا بالصيغة التالية: (مع مراعاة أي عقوبة أشد ورد النص عليها في أي تشريع آخر يُعاقب بالحبس من شهرين إلى سنة أو بغرامة لا تقل عن خمسمائة دينار ولا تزيد على ألف دينار أو بكلتا هاتين العقوبتين كل من خالف أي من أحكام هذا القانون أو الأنظمة الصادرة بمقتضاه ولم ترد عقوبة عليه في هذا القانون).

كما نصت الفقرة (أ) من المادة (20) من قانون المسؤولية الطبية والصحية انف الذكر على عقوبة مقدم الخدمة الطبية والصحية في حال عدم الإبلاغ عن الاشتباه في اصابة أي شخص بمرض معدي كفيروس كورونا بالصيغة التالية: (مع عدم الإخلال بأي عقوبة أشد ورد النص عليها في أي تشريع آخر: أ- يعاقب كل من يخالف أحكام المادة (7) والفقرات (أ)، (ج)، (د)، (ه)، (و)، (ز) من المادة (8) من هذا القانون بغرامة لا تقل عن (3000) ثلاثة آلاف دينار ولا تزيد على (5000) خمسة آلاف دينار).

يُستفاد من جميع النصوص السالفة الذكر أنه من المتصور وجود عدة نماذج جرميّة تتعلق باخفاء المصاب بفيروس كورونا، أو التأخر في عدم الابلاغ عن الاصابة للجهات المختصة، وهذه النماذج تتنوع بحسب النتيجة التي تنجم عن نقل الفيروس فقد تكون النتيجة هي الوفاة ، سيما أن الوفاة متوقعة بسبب هذا الفيروس إذا كان المجني عليه لا يستطيع مقاومة الفيروس بسبب كِبر سنه أو وضعه الصحي الضعيف، كما قد تكون النتيجة هي الإيذاء وهو الغالب الأعم، كما أن هذه النماذج الجرميّة تختلف بحسب صورة الركن المعنوي الذي يتوافر في أي منها فقد يتمثل بالقصد أو بالخطأ.

وخلاصة القول إنه وبالرغم من وجود نصوص جزائية في القانون الأردني تحمي ضحايا نقل فيروس كورونا اليهم سواءً بالقصد أو بالخطأ إلا أن هذه النصوص وحدها لا تكفي لمواجهة كافة الممارسات غير الأخلاقية لبعض الاشخاص مع علمهم بإصاباتهم بالمرض كالامتناع عن الذهاب إلى المستشفى لحجرهم صحياً، أو عدم عزل أنفسهم في المنزل، أو عدم التزامهم بالتدابير والإجراءات التي تفرضها السلطات المختصة من اجل حماية أنفسهم وإنقاذ الآخرين من الإصابة بفيروس كورونا، وكذلك ممارسات بعض اشخاص مقدمي الخدمة الطبية والصحية بارتكاب جرم إخفاء المصابين بفيروس كورونا، أو عدم التبليغ عنهم للجهات المختصة، أو التأخر بالتبليغ عن المشتبه باصابتهم بهذا الفيروس الخطير.

وبالتالي يمكن القول بأن مبادئ الأخلاق والضمير الحي يفترض أن تسودا في كل المجتمعات للحد من هذا الوباء الخطير وعليه فان الالتزام بالقانون ما هو الا احترام للذات وعنوان للحضارة الذي يحقق المصلحة العامة بالنتيجة، وهذه دعوة لجميع ابناء الوطن للتحلي بفضيلة الالتزام بالقانون سائلا الله العلي العظيم أن يحفظكم جميعا ويحفظ وطنا وشعبنا ومليكنا وأُمتنا العربية والإسلامية والبشرية من كل شر.

الدكتور رائد بيان

مدير المكتب القانوني لمستشفى الامير حمزة والمستشار القانوني لوزارة الصحة سابقا



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات