السؤال المزمن: هل يمكن إنقاذ لبنان من نفسه؟

تم نشره الإثنين 15 آب / أغسطس 2022 12:59 صباحاً
السؤال المزمن: هل يمكن إنقاذ لبنان من نفسه؟
عصام نعمان

قد يكون للبنان أعداء كثر، لكن أشدهم ضراوةً هو لبنان نفسه! نعم.. لبنان بتعدديته المرهقة، وعصبياته الطائفية الشرسة، وأهل سلطته (أو سلطاته) الفاسدين هو عدو نفسه بامتياز.
ضمّني أخيراً اجتماع مع خمسةٍ من القياديين الوطنيين التقدميين المستقلين سياسياً وتنظيمياً عن الأحزاب والتكتلات والاصطفافات، التي تُمسك حالياً بما تبقّى من الهياكل المتهالكة لنظام المحاصصة الطوائفية، الذي يرتع فيه «لبنان الكبير» مذّ هندسته سلطات الاستعمار الفرنسي قبل نحو مئة سنة. القياديون المتحاورون فكروا وبحثوا وحاولوا في اجتماعهم الإجابة عن سؤال مزمن: هل يمكن إنقاذ لبنان من نفسه؟ بعد ثلاث ساعات من المطارحات والمناقشات، يمكن تلخيص الأفكار التي أُبدِيت والخلاصات التي أمكن التوصل اليها على النحو الآتي:
أولاً: أجمع القياديون المتحاورون على أن نظام المحاصصة الطوائفية الفاسد قد أصبح شائخاً ومتهاوياً، وأن لا سبيل إلى إصلاحه وإنعاشه، بل يقتضي التعجيل في إنهائه تفادياً لانعكاسات بقائه متفككاً ومتهاوياً على حاضر البلاد ومستقبلها.
ثانياً: توافق المتحاورون في شبه إجماع على أن إنهاء نظام المحاصصة الطوائفية يجب أن يجري وفق نهجٍ سلمي وتدرّجي، وذلك تفادياً للوقوع في مهاوي حربٍ أهلية بالغة المخاطر والأضرار.
ثالثاً: توافق المتحاورون على تحديد ثلاثة بأنها الأشد خطورة بين التحديات والمخاطر التي تحيق بلبنان من الآن ولغاية آخر شهر تشرين الأول/ أكتوبر المقبل:
(أ) الفوضى الشاملة، والانفلات الأمني الناجم عن الضائقة المعيشية، وامتناع المصارف عن تسديد الودائع لأصحابها، وتجميد التحقيق القضائي في الجرائم المدوّية وأهمها تفجير مرفأ بيروت، وعدم تسديد الرواتب والتعويضات المستحقة للموظفين والعاملين في إدارات ومرافق القطاع العام في أوانها، وقطع التيار الكهربائي بصورة متواصلة بدعوى عدم توافر المازوت لتشغيل المحركات.
(ب) الفراغ الرئاسي المرجّح وقوعه نتيجةَ عدم التوافق على شخصية وطنية مقبولة لانتخابها لرئاسة الجمهورية، قبل انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون في 31 أكتوبر المقبل.
(جـ) التداعيات الخطيرة المرتقبة الناجمة عن قيام «إسرائيل» باستخراج الغاز من المنطقة المتنازع عليها داخل المياه الإقليمية اللبنانية في مطالع شهر أيلول/سبتمبر المقبل، ما سيؤدي إلى قيام المقاومة اللبنانية بقصف منصّات استخراج النفط والغاز الإسرائيلية، واحتمال تطور الاشتباك إلى حرب إقليمية.
رابعاً: توافَقَ المتحاورن على أن انهماك أهل النظام والسلطة، موالين ومعارضين بتعزيز وتوسيع مصالحهم ومطامعهم الذاتية، حال ويحول دون التوصل إلى تسوية وطنية مقبولة بشأن تأليف حكومة جديدة قادرة على إدارة الأزمة المستفحلة خلال الأسابيع الستة التي تفصلنا عن آخر شهر أكتوبر المقبل، بما هو موعد انتهاء ولاية الرئيس عون، وما يمكن أن يتأتى عن ذلك من تداعيات واضطرابات سياسية واجتماعية وأمنية.

انهماك أهل النظام والسلطة، موالين ومعارضين بتعزيز وتوسيع مصالحهم ومطامعهم الذاتية، حال ويحول دون التوصل إلى تسوية وطنية مقبولة

خامساً: تبدّى رأيان بشأن أسلوب مواجهة الأخطار الشديدة سالفة الذكر: الأول مفاده أن لا سبيل، في ظل النظام السياسي الطوائفي الفاسد، إلى اجتراح خطة وطنية مقبولة للمواجهة أو للمعالجة، وأن الأفضل ترك النظام وأهله يتهاوون. فلربما يتيح ذلك فرصةً لإعادة بناء لبنان دولةً ووطناً على أسس سليمة ومتينة. الثاني مفاده أن التداعيات الناشئة عن الأخطار الثلاثة سالفة الذكر مقرونةً بالتدخلات الخارجية المتوقعة، يمكن أن تؤدي إلى انزلاق البلاد إلى انهيار ما تبقّى من هياكل النظام المتهرّئة، واستشراء انفلات أمني واسع، وإفراز حال من التقسيم الواقعي غير المقونن. كل ذلك يستوجب المسارعة إلى تأليف حكومة وطنية جامعة وفاعلة لإدارة الأزمة حتى آخر أكتوبر المقبل، وربما إلى ما بعده في حال تمدّد الفراغ الرئاسي نتيجةَ تعذّر انتخاب رئيس جديد للجمهورية.
سادساً: إزاء كل هذه التحديات والمصاعب، تساءل القياديون المتحاورون عما يقتضي عمله، ولاسيما إذا ما توسّع وتعمق الانهيار على جميع المستويات وتطوّر إلى حالٍ من الفوضى الشاملة والتقسيم الواقعي غير المقونن؟ هنا برز موقفان: الأول يرى أن الأمور مرهونة بأوقاتها، ولا سبيل إلى إعطاء رأي متكامل إلاّ بعد الإحاطة بالظروف المستجدة وموازين القوة خلالها. الثاني يرى أنه يقتضي المبادرة فوراً وبلا إبطاء إلى تكوين جبهة من القوى الوطنية النهضوية الحيّة، أفراداً وجماعات وتنظيمات، الملتزمة وحدة البلاد والعباد والمتوافقة على الأولويات الأكثر إلحاحاً في المرحلة الراهنة، بغية مواجهة التحديات والتطورات المستجدة من جهة، ومن جهة أخرى لوضع الأسس العملية وتوفير الوسائل اللازمة لمجابهة خطر التقسيم، ولاستعادة وحدة البلاد وبناء دولة المواطنة المدنية الديمقراطية.
سابعاً: انطلاقاً من تبنّيه وتأييده القوي للرأي القائل بضرورة المسارعة إلى تكوين جبهة من القوى الوطنية النهضوية، لمواجهة التحديات والتطورات الخطيرة الحاليّة والمتوقعة. طرح أحد القياديين المتحاورين فكرةً رأى أنها ضرورية جداً لبناء الجبهة المرجوة، كما لبناء دولة المواطنة المدنية الديمقراطية. الفكرةُ محورها ضرورة البحث عن القواسم المشتركة بين القوى الوطنية الحيّة الناهضة إلى بناء الجبهة، وحزب الله بما هو قاعدة ومرتكز المقاومة الملتزمة والقادرة على مواجهة عدوانية «إسرائيل»، ففي رأيه لا سبيل في أيّ بلدٍ تعددي ـ ولبنان بلد تعددي بامتياز ـ إلى حصول أيٍّ من الأحزاب المتنافسة على أكثرية فاعلة في مجلس النواب، وأن الممكن فقط هو نجاح أحد الأحزاب في تكوين قاعدة شعبية عريضة تمكّنه من أن يصبح الأقوى بين الأحزاب المتنافسة، والأقدر تالياً على أن تكون له كتلة وازنة وحلفاء في مجلس النواب، وبما أن حزب الله تتوافر فيه هذه الشروط ولديه أيضاً الإمكانيات، فإنه يتوجب على القوى الوطنية النهضوية أن تبادر إلى التحاور معه، بغية التوافق على الأولويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية الأكثر إلحاحاً وحضوراً في هذه المرحلة، من أجل بناء جبهة وطنية نهضوية متماسكة لإنقاذ لبنان من محنته. ولمواجهة «إسرائيل» الطامعة في أرضه ومياهه وثرواته الطبيعية، ولإدارة الأزمة المستفحلة خلال الظروف الصعبة المستجدة، وفترة الفراغ الرئاسي بحكومةٍ وطنية جامعة وفاعلة.
وبعد… السؤال ما زال مطروحاً: هل يمكن إنقاذ لبنان من نفسه؟
كاتب لبناني - القدس العربي 



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات