ماذا لو تهدم ثالوث الكتابة ؟
الكتابة كلام مدون، ولكن ليس كل الكلام قد يكون مفهوم وله معنى، لان بعض الكلام يشبه الضوضاء أشبه بالتلوث الفكري، كذلك الكتابة البعض منها كلام فارغ لامعنى له، او قد يكون مقلوب المعنى.
مثلما تلوح لنا بعض اللوحات الاعلانية المليئة بالأخطاء الاملائية، والنحوية، بل الادهى من ذلك ان كثرة الأخطاء الاملائية المنتشرة عبر وسائل الاعلام المكتوبة والمقروءة والمسموعة، التي ترسخ لثقافة الخطأ، وتعمد الى تبنيه على حساب اللغة الصحيحة، وهذا يمثل بداية النهاية لهويتنا العربية وأرثنا اللغوي الصحيح، ومع مرور الوقت ستتكرس لغة اخرى هجينة لا تشبهنا بشيء ولا تعبر عنا، بل هي خليط غير متجانس من حروف ورموز غير مفهومه ولا تبلغ بنا للمطلوب منها وهنا الكارثة.
اذ سينعدم التفاهم بواسطة اللغة وستحل الاشارة او الايماءات محلها او الاصوات العالية محلها!
فلا تكفي الغاية من الكتابة كعمل انساني ان تكون وسيلة للتواصل، حتى لو كانت تحمل فكرة صحيحة، ولكن يجب ان يكون الوعاء الحامل لها كذلك سليم ونقصد به اللغة، ويجب ان تخلو من الأخطاء الأملائيةو المنطقية، لتستوفي كامل الشروط .
كذلك يجب ان تكون الكتابة مفيدة، ولا يمكن للكاتب ان يتناول موضوع غير صحيح، او يحرف حقيقة ما، والا ستكون الكتابة عمل مضر اكثر من كونه عمل نافع وسينتج عنه بضاعة فكرية، غير قابلة للاستهلاك البشري، يتم تسويقها بعلب واغلفة ملفته، تحت غطاء ثقافي، الغرض منها تشويه الحقائق وقلب الاحداث، او لخلق ظاهرة مجهولة الهوية !
وبالعادة لا تستهوي ولا تُمرر مثل هكذا نوع من الكتابات الا العقول الساذجة، التي اعتادت على تلقي المعلومات والمواضيع الجاهزة، بدون تدقيق او تمحيص او البحث عنها وتحليلها.
ولا يجيد هذه الصناعة الا (الكُتاب المرتزقه) الذين يتم تجنيدهم من اجل خلق واقع افتراضي او لحرف الحقيقة عن مسارها الصحيح، وهم بالحقيقة ليسوا كُتاب لانهم امتهنوا الكتابة!
لان الكتابة لا يمكن ان نعدها مهنة ويُنتظر منها ان تدر النقود، الكتابة عمل راقي، لذلك يحتاج الكاتب ان يكون مطمئن مادياً، فلا يستطيع المشغول بتحصيل لقمة عيشه ان يكون كاتباً، لان النتاج الادبي لا يكون، الا في اجواء من الاسترخاء الجسدي والعقلي، لكي يبحث الكاتب عن قضايا قد يغفل عنها الانسان الكادح، الذي يدور كالهامستر في عجلة الحياة اليومية.
الكاتب لا يكون كاتباً بحق الا ان يكون شجاعاً، كالفيلسوف، لا يوجد ما يخاف منه ولا عليه!
الخطير بالأمر تلك البيانات والأحصائيات والارقام التي تبين لنا انحسار (الكتابة) بشقيها المكتوب والمقروء، و انخفاض الانتاج الفكري والادبي يقابله كذلك انخفاض في عدد القراء، اذ ان العالم العربي، احتل مكاناً في ذيل القائمة الامم القارئة، بمتوسط قراءة لا تتعدى ربع صفحة للفرد سنويا!
في حين بقية الدول تحتل مكان متصدر في عدد القراء والانتاج الفكري والادبي، وهو امر يفسر ان العالم العربي اصبح مكباٍ ومكان مهيأ لرمي النفايات الفكرية والثقافية للامم الاخرى، اضف لذلك فان العالم العربي يعد الوحيد الذي ينفرد بظاهرة (قمامة المكتبات) وهي ظاهرة رمي الكتب القديمة والتي تعد بعضها امهات للكتب، بين النادر والثمين، رميها في الطريق او بيعها كأي سلعه تالفة في الاسواق، هي خسارة للمكتبات العربية وتعد مؤشر لانحدار الوعي الثقافي لدى الناس .