مع أيّ فلسطين يتضامن المتضامنون؟

تم نشره الإثنين 05 كانون الأوّل / ديسمبر 2022 01:08 صباحاً
مع أيّ فلسطين يتضامن المتضامنون؟
صبحي حديدي

في واحد من مقالاته الأخيرة حول القضية الفلسطينية، كُتب قبيل رحيله الفاجع خريف 2003 ونُشر لاحقاً بعنوان «سياسة العداء للسامية»؛ استفاض إدوارد سعيد في تشريح سياسات إسرائيل الوحشية تجاه الشعب الفلسطيني، ولكنه توقف بتعمّق لافت عند مفاصل كبرى في حيوية هذا الشعب، على مستويات إنسانية شتى، في ميادين السياسة والاجتماع والثقافة أيضاً. ولم يغفل، وهو الفلسطيني المنتقد لأسس اتفاقيات أوسلو ومآلاتها، عن تخصيص بضع فقرات ناقشت حال السلطة الوطنية، وتطرقت على نحو خاصّ إلى مواقع حركات «فتح» و«حماس» وبقية الفصائل، فخلص سعيد إلى أنّ قرابة 1000 منظمة غير حكومية ـ بصرف النظر عن حكم القيمة، والجدوى، على هذه أو تلك ـ هي التي تحتضن حيوية هذا الشعب، وتستقبل طاقاته المختلفة.
وفي زمن كتابة تلك المادة كانت الإحصائيات التي امتلكها سعيد تشير إلى أنّ «فتح» و«حماس» تستقطبان، معاً، 45% من تأييد الفلسطينيين؛ والـ55% الباقية تذهب إلى منظمات وتجمعات «أكثر تطلعاً إلى الأمل والإصلاح السياسي»، حسب تعبير سعيد. هنا، أيضاً، لم يغفل الراحل عن مفهوم الكرامة، الذي «يحظى بمكانة خاصة في كلّ ثقافة عرفها المؤرخون والأنثروبولوجيون وعلماء الاجتماع…»؛ وهو، عند الفلسطينيين تحديداً، ثمّ عند العرب عموماً، أبعد ما يكون عن التنميطات الاستشراقية أو العنصرية أو القاصرة أو الاختزالية، التي تبعده عن حسّ العدالة والتوق إلى الحرّية والديمقراطية.
وعلى نحو أو آخر، كان سعيد يوظّف (بطرائقه التحليلية والتركيبية الفذّة) معطى بارزاً في حوزة أبناء فلسطين في المقام الأوّل، انتقل تلقائياً ومنطقياً إلى جهاز التفكير والتحرّك الذي يحكم غالبية حركات التضامن مع القضية الفلسطينية، العالمية منها قبل تلك العربية في واقع الأمر. ذلك المعطى كان يقود، ويظلّ اليوم أيضاً، إلى معالجة سؤال حاسم مركزي: مع أيّ فلسطين نتضامن اليوم، سلطة محمود عباس في رام الله، أم سلطة إسماعيل هنية في غزّة؟ وعن هذا السؤال تتفرّع سلسلة أخرى من الأسئلة، تضمّ هذه مثلاً: «فتح» أم «حماس»؟ واقع اتفاقيات أوسلو التي باتت أقرب إلى جثة هامدة، أم صواريخ «القسام» الأقرب إلى الرمز الصوتي منها إلى السلاح الفتاك؟ اندلاق سلطة رام الله على الاحتلال والتشبث بقداسة التنسيق الأمني، أم اندلاق «حماس» على نظام مجرم الحرب بشار الأسد و«حزب الله»؟
في قلب هذه الشبكة من الأسئلة، أو التساؤلات بالأحرى، تجثم واقعة محورية صنعتها انتخابات تشريعية أولى، ويتيمة حتى الساعة بالطبع، شدّت طبائع التضامن إلى إشكالية مزدوجة: هل أخطأ الشعب الفلسطيني حين منح «حماس» أغلبية صريحة في المجلس التشريعي؟ وهل توجّب أن يمارس الفلسطينيون تجربتهم الديمقراطية الأولى، من منطلق مكافأة «حماس» عن طريق معاقبة «فتح»؟ وبصرف النظر عن هذه أو تلك، كيف نواصل التضامن من دون أن نطعن في خيار ديمقراطي مثّلته صناديق الاقتراع، وكذلك من دون أن نخدش حياء الالتفاف التاريخي حول منظمة أمّ نهضت على شعار «ثورة حتى النصر»؟
ثمة، غنيّ عن القول، خيار أكثر بساطة في تكوينه وأشدّ صلابة في أخلاقيته، هو التضامن المطلق مع الشعب الفلسطيني وحقوقه ونضالاته في وجه احتلال بات الأشرس والأبشع على امتداد العالم؛ ونقطة على السطر، مفادها أساساً أنّ الوقوف مع الشعب الفلسطيني لا يتوجب أن يتعطّل بسبب من إشكاليات السلطة في رام الله أو غزّة أو الخيارات العقائدية المختلفة، وأنّ اليوم العالمي للتضامن مع القضية الفلسطينية مناسبة إعلام عالمية، تصحّ الاستفادة منها وليس اعتبارها المنصّة الأبرز أو الأوحد. صعوبات خاصة تكتنف هذا الطراز من تشخيص التضامن، بالطبع، كأن يُنظر إلى صيغة مقاومة على طراز «عرين الأسود» ضمن منظار أعرض يخصّ حصيلة عقود من الأشكال والخيارات والممارسات، وليس من زاوية واحدة ضيّقة تنحصر في ثنائية العمل المسلح/ العمل السلمي.

القدس العربي



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات