تراجع الاعتماد على الذات

في ظل وصول منح خارجية اسـتثنائية كبيرة ، لا يظل رصيد الموازنة مؤشـراً جيداً لقياس الأداء المالي ، فهذه المنح تؤشـر على مجهود سياسي لا دور فيه للمجهود المالي المحلي أو لوزارة المالية.
المنح الخارجية مرحب بها ، لأنها تخفض العجـز في الموازنة وتقلل الحاجة للاقتراض ، ولكنها لا تؤثر على المجهود المالي للحكومة الذي يعبر عنه العجز قبل المنح.
من الإنصاف أن نذكـر لوزارة المالية أن جداولها المنشـورة توضح العجز في الموازنة قبل المنح وبعد المنح ، أي أنها تعترف بما لها وما عليها.
التحليل المالي الذي يسـتهدف إصدار حكـم على الأداء المالي للحكومة بصورة عامـة ولوزارة المالية بشكل خاص يجب أن يركز على بنديـن اثنين من بنود الموازنة هما النفقـات الجارية من جهة والإيرادات المحليـة من جهة أخرى ، فهذان البندان يقيسـان حسن إدارة المالية ، ودرجة الاقتراب أو الابتعاد عن هدف الاعتماد الذاتي.
من المؤسف أن الاتجاه الذي سـاد في السنوات القليلة الماضية كان يشير إلى ارتفاع النفقـات الجارية بأسرع من نمو الإيرادات المحليـة ، وبذلك انخفض الغطاء إلى ما دون 90% بعد أن كان يصل إلى 100% أو أكثر.
هذا الواقع يدل على التراجع عن هدف الاعتماد الذاتي ، وحده الأدنى تغطيـة الإيرادات المحلية لنفقـات الحكومة الجارية ، فمن غير الجائز أن نعتمد على المانحين والدائنين لدفع نفقات تشـغيل الحكومة بشكل رواتب وإيجارات.
بالرجوع إلى أرقام الموازنة خلال النصف الأول من هـذه السنة يتضـح أن الإيرادات المحليـة انخفضت عما كانت في نفس الفتـرة من السنة السابقة بنسبة 1ر1% لتبلغ 9ر2236 مليون دينار ، في حين ارتفعـت النفقات الجارية بنسبة 9ر12% لتبلغ 2539 مليـون دينار وبذلك انخفضت نسبة تغطية النفقات الجارية للحكومـة من الإيرادات المحلية إلى 8ر87% فقط وهي أقل نسـبة تم تسجيلها منذ سنوات عديـدة ، علماً بأن بعض النفقـات الجارية المستحقة لم تسـدد ولم تؤخذ بالحساب.
تدل هذه المعطيات أننا نسير مالياً بعكس الاتجاه المطلوب ، وأن اعتمادنا على المساعدات والقروض في ارتفاع ليس بالأرقام المطلقـة فقط بل بالنسب المئويـة أيضاً ، وهذه حالة غير قابلـة للاستمرار ويجب وضع حد لهـا دون إبطاء إذا أردنا المحافظة على دور الأردن وقراره المسـتقل.(الراي)