العرب واستحقاق سبتمبر

ها هم العرب يتبنون القرار الفلسطيني بالتوجه إلى الأمم المتحدة، طلباً للعضوية الكاملة لدولة فلسطين وفقاً لخطوط الرابع من حزيران 1967...وها هي المواقف العربية تترى، سراً وعلانية، معربة عن الدعم لهذه الخطوة، بعد أن سُدت السبل في وجه الفلسطينيين، وباتت ظهورهم إلى «جدار»...مع أنه والحق يقال، فإن عدداً من الدول العربية، لم تكن مؤيدة لهذا التوجه في البدء، لكنها عادت وعدلت عن موقفها تحت تأثير عاملين اثنين:
الأول، ويندرج في سياق «أعراف العمل العربي وتقاليده»، والتي تقضي بقبول ما يقبل به الفلسطينييون، رهاناً على أن الفلسطينيين لن يطلبوا يوماً، ما يمكن أن يحرج أشقاءهم.
والثاني، متأسس على انعدام الخيارات والبدائل لدى الجميع...فلا العرب ذاهبون إلى «الحرب والمقاومة»...ولا هم قابضون على قرار استئناف المفاوضات بعد أن سدّ نتنياهو كل سبلها وطرقها، وأسقط كل فرصها والآمال المعقودة عليها...لم يبق إذن سوى «الخيار النيويوركي».
العرب اعتادوا أن يلهجوا بالدعاء للفلسطينيين، بأن يجنبهم الله «وعثاء السفر»...لكن أحداً منهم لا يُتبِع الدعاء بـ»قليل من القطران»...لا أحد يقرن القول بالفعل...لم يعتادوا، إلا فيما ندر من المرات، أن يتحركوا ككتلة لديها من الأوراق ما يكفي لتحريك العالم، وإزاحة الكرة الأرضية عن محورها، بضعة مليمترات على الأقل.
العرب بلا شك، يتابعون اليوم، فصول الهجوم الأمريكي – الإسرائيلي المضاد على السلطة والمنظمة والرئاسة...لا يمضي يوم دون أن تلوح واشنطن بـ»الفيتو» و»قطع المساعدات» مع أن «أبو مازن» ذاهب إلى نيويويورك، وليس إلى قندهار...لا يمضي يوم من دون أن يُحمل الرجل أوزار ما سيتداعى من تطورات في إثر القرار الفلسطيني، مع أن الرجل رفع «خيار المفاوضات» إلى مستوى وسوية «فتح عمورية» الذي «تعالى أن يحيط به، نظمٌ من الشعر أو نثرٌ من الخطبِ».
حسناً فعل العرب، فلا يجوز أن يُترك الفلسطينييون وحدهم في مواجهة هذا القَدْرِ من النفاق وازدواج المعايير الدولية...لكأنهم ارتكبوا «ثالثة الأثافي» بقرارهم العودة للشرعية الدولية والارتماء بين أحضانها، وهي التي نشأت لرد الحقوق إلى أصحابها، وحفظ أمن العالم وسلامه واستقراره...وهم بدعمهم السياسي والمعنوي للفلسطينيين، عملوا بقاعدة «فليسعف النطق إن لم يسعف الحال».
لكن المعركة التي يجد الفلسطينيون أنفسهم بصدد خوض غمارها، تحتاج إلى ما هو أبعد من «النطق»...تحتاج إلى «الخيل» و»المال»...والعرب لديهم الكثير من هذا وذاك...فلماذا يبخلون عن أشقائهم، وهم الذين طالما تغنوا بعدالة قضيتهم ومركزيتها....
لماذا لا يذهب عدد من الزعماء أو من ينوب عنهم على أرفع المستويات، برفقة «أبو مازن» لنيويورك...لماذا لا يطلبون من دول صديقة أن تفعل شيئاً مماثلاً...لماذا لا يردّون على العربدة الإسرائيلية والانحياز الأمريكي و»الجُبن» الأوروبي، بـ»عراضة زعاماتية» في نيويورك، تظهر للعالم، كل العالم، أن فلسطين ليست وحدها، وأن الاعتراف بها دولة مستقلة، «أقل الواجب» وأن لغة «البلطجة» التي يتحدث بها الناطقون باسم الإدارة الأمريكية لن تجدي نفعاً...لماذا لا يقال، وبالفم الملآن، ومن نيويورك بالذات، فلتذهب قروشكم وملاليمكم إلى الجحيم ، فنحن «سدّادون».
لماذا لا تنضاف السلطة والمنظمة وحماس، غزة والضفة، إلى قوائم الدعم والإسناد العربية .
نريد من العرب أن يتخذوا قرارين اثنين، ونريدهما الآن وعلى عجل، هما:وفد عربي رئاسي (أو رفيع) يصطحب «أبو مازن» إلى نيويورك...من أجل فلسطين لا من أجل «أبو مازن»...قرار بتقديم ملياري دولار سنوياً دعماً للقدس والقضية والشعب والحقوق والمنظمة ومئات ألوف الشهداء والأسرى والجرحى.
إن شاء النظام الرسمي العربي، أن يرقى إلى مستوى «ربيع العرب» وأن يستلهم بعضاً من روحه ونبضه، فلا أقل من قرارين بهذا المستوى...لا أقل من وقفة تعيد الاعتبار لكرامة الأمة ودورها...ولو كنت في موقع «الناصح الأمين» لهؤلاء القادة لهمست في آذانهم، أن بادروا إلى ذلك الآن، ومن دون تردد، قبل أن تضطروا لدفع أضعاف هذه المبالغ، حماية لكراسيكم من الاهتزاز والسقوط...ألم تأتكم أنباء «ثورات الكرامة والعزة التي اجتاحت العواصم العربية»...ألم تقرؤوا جيداً دروس الطوفان الذي انتزع «السفارة» و»العمارة» سواء بسواء...أفعلوا ذلك اليوم، وازهو بمجد نصرة فلسطين ودعم أهلها، افعلوا ذلك الآن، قبل أن يفوتكم قطار علي عبد الله صالح.(الدستور)