حذار من «سايكس-بيكو» ليبية

تم نشره الأحد 18 أيلول / سبتمبر 2011 02:05 صباحاً
حذار من «سايكس-بيكو» ليبية
عريب الرنتاوي

لم يَجل بخاطري، وأنا أتابع وقائع المؤتمر الصحفي مثلث الإضلاع: ساركوزي، كاميرون وعبد الجليل، سوى سايكس- بيكو، الرجلان اللذان رسما خرائط المنطقة ووزعا عوائدها وثمارها بين أكبر منتصرين في الحرب العالمية الأولى: فرنسا وبريطانيا...وها هو التاريخ يعيد نفسه من جديد، وبعد قرابة القرن من الزمان، ساركوزي – كاميرون، يهرعان إلى طرابلس الغرب، قبل أن تضع حرب إسقاط «العقيد» ونظامه أوزارها، والهدف الكامن وراء رحلتهما المشتركة: رسم خرائط المصالح والنفوذ في ليبيا، بين أكبر منتصرين في حرب الستة أشهر على نظام «العقدة والعقيد».

ولم أنظر إلى «نفي» ساركوزي، أن تكون لبلاده أطماع في ليبيا أو «نوايا» لتقاسم ثرواتها، إلا بوصفه «إثباتاً» لوجود هذه النوايا و»تأكيداً» على غلبة هذه «الأطماع»...فما من مستعمر في العالم، إلا وقدم النفي تلو النفي لوجود أطماع أو نوايا من هذا النوع، حتى أن الاستعمار نفسه، اشتق اسمه من نقيضه، فكان استعماراً من «إعمار»، وهو الذي لم يجلب سوى الكوارث والخراب للدول المستعمرة.

حسناً أيها السادة...إن كان التدخل العسكري ضد نظام العقيد، قد أملته الحاجة والضرورة، وفرضته دوافع إنسانية، فقد آن أوان الإسراع في إنجاز معركة الحسم، والكف عن استخدام «شبح القذافي» كما استُخدم شبح صدام في العراق من قبل، والشروع فوراً، ومن دون إبطاء، في «توضيب» الحقائب وترك البلاد لأهلها، يصوغون بملء إرادتها المستقلة والحرة، مستقبل نظامهم السياسي ويقررون من دون ضغوط أو إملاءات، مصائر ثورتهم وثروتهم.

لقد كنّا من بين ملايين الناس التي طالبت بتدخل دولي حاسم ضد نظام العقيد المجنون، الذي أزهق عشرات الألوف من الأرواح البريئة، ولمّا يزل يزهق المزيد منها، وكان يمكن له لو ظل في موقعه، أن يزهق أضعاف أضعاف ما أزهق من الأرواح...ولكن أما وقد حُسمت المعركة لصالح الثوار، فإننا سنكون، ومن بين الملايين كذلك، التي سترفع الصوت عالياً، من أجل أن تظل مهمة «النيتو» في حدودها المقررة بقرارات الشرعية الدولية والجامعة العربية، وأن لا يكون ثمن التدخل الدولي الإنساني، إعادة ليبيا إلى عصر الاستعمار.

نحن لا نصدق نيكولا ساركوزي ولا ديفيد كاميرون...كلاهما جذبته إلى ليبيا رائحة النفط والغاز، وأسالت لعابه عقود التسلح وإعادة البناء الفلكية...وهي ذات الرائحة التي سبق أن جذبت سلفيهما، جاك شيراك وطوني بلير إلى «خيمة العقيد» في «باب العزيزية»...يومها، وبعد سنوات من القطيعة والابتزاز وإعادة التأهيل، تحول مقر العقيد إلى «محجٍّ» لقادة العالم الحر، الذي يصفق اليوم، لربيع العرب، ولا يكف أن توجيه التحذير تلو الإنذار، لهذا «الديكتاتور» العربي أو ذاك، وبصورة لا تخلو من الانتقائية بالطبع، ولم تتحرر من ازدوجية المعايير.

ربما لم يسعف الوقت ديفيد كاميرون لأداء «فريضة الحج» إلى «باب العزيزية»، لكن ساركوزي حظي بشرف لقاء العقيد في ذات «الخيمة» التي اعتاد أن يستقبل فيها قادة «الإرهاب الدولي» وفقاً للمعلومة واللغة المتداولتين غربياً...يومها لم يكون «العقيد» نموذجا للمناضل من أجل الحرية والديمقراطية...يومها لم يكن العقيد «فرس رهان» الغرب في إطلاق نسمات الربيع العربي...وحدها رائحة النفط والعقود «المليارية» والصفقات المشبوهة، هي من جذبت هؤلاء إلى الخيمة» المشؤومة.

لا شيء تغير اليوم، ذات الرائحة الفاتحة لشهية القيادات السياسية والمسيلة للعاب شركات النفط والغاز والبناء والإعمار، تحفز هؤلاء «لتجشم عناء السفر ووعثائة»...والمقامرة بزيارة عاصمة لم يُحكم الثوار سيطرتهم عليها بعد...بل إننا نكاد نجزم، وقد قلنا ذلك في هذه الزاوية أكثر من مرة، إن إطالة عمر «الأزمة الليبية» تكشّفت عن «نوايا خبيئة وخبيثة»، كانت تستهدف ابتزار العقيد والثائرين عليه، سواء بسواء، مثلما كانت تستهدف إلحاق أوسع دمار في المؤسسات والبنى، كفيل بمضاعفة فاتورة إعادة الإعمار...كان «سايكس – بيكو» القرن الحادي والعشرين، يحتفلان بالذكرى المئوية لـ»سايكس – بيكو» القرن العشرين، بتوزيع العقود وإنفاذ التعهدات والوعود المبرمة في سياق حرب الإطاحة بالقذافي.

ما لم يقله الرجلان صراحة وبصورة فجّه، قاله قادة المجلس الانتقالي الحاكم، الذين تعهدوا إعطاء الأولوية في مشاريع إعادة الإعمار وصناعة النفط والتسلح، لـ»الحلفاء» الذين حرروا ليبيا من نير «المحور»، محور القعيد وعائلته وأجهزته ومرتزقته، ومن ظل على عهد الولاء القبلي، من عشائر ليبيا وأبنائها.

مثل هذا الوضع، يملي على الجامعة العربية التي مهدت الطريق ووفرت الغطاء لدخول «النيتو» على خط الأزمة الليبية، أن تتحرك بقوة وبسرعة لمنع انزلاق ليبيا إلى حقبة الاستعمار، وإن بصيغه الجديدة، دفاعا عن حق شعبها في العيش سيداً، مستقلاً، حراً وكريما.(الدستور)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات