محنة الحرب ومصير السودان

تم نشره الخميس 04 أيّار / مايو 2023 12:30 صباحاً
محنة الحرب ومصير السودان
جمعة بوكليب

المحظوظون في السودان، حتى الآن، من الممكن تصنيفهم في قائمة قصيرة. يأتي في المقدمة الذين امتلكوا جوازات سفر أجنبية، وتمكنوا من الوصول بسلام إلى قاعدة وادي سيدنا، على بعد 40 كيلومترا شمال العاصمة الخرطوم، وشُحنوا في طائرات شحن عسكرية ضخمة إلى عواصم أوروبية. صور الطائرات الضخمة تلك، وهي تشحن بالشحنات البشرية في وادي سيدنا، ليست سوى إعادة مؤلمة لمأساة إنسانية تابعناها لدى الانسحاب الأميركي من كابل، حيث الآلاف من الأفغان الهاربين وهم يتدافعون بالمناكب للحصول على مكان فيها ينجيهم من موت محتمل.
في المرتبة الثانية يأتي المحظوظون من نفس الفئة السابقة من حملة الجوازات الأوروبية الذين لم يسعفهم حسن الحظ في الوصول إلى ذلك المهبط الجوي المهجور في وادي سيدنا، واضطروا إلى السفر مسافة تقرب من 400 كيلومتر حتى ميناء بورتسودان البحري، وشحنوا في قطع حربية سعودية إلى مدينة جدة. في الترتيب الثالث يأتي أولئك الذين قطعوا المسافات بالسيارات وعلى الأقدام حتى عبروا الحدود السودانية إلى واحدة من الدول المجاورة. قائمة المحظوظين في السودان تتوقف عند هذا الحد، ولا مكان بها لفئة رابعة.
بقية أفراد الشعب السوداني (46 مليون نسمة)، من غير المحظوظين، الذين لا يمتلكون جوازات سفر أجنبية تركوا لمواجهة مصائرهم، وكتب عليهم أن يعيشوا في رعب من الموت، في حرب كسر عظم، بين جنرالين، ليس لهم فيها ناقة ولا جمل.
لا أعتقد أن بمستطاع أحد تخيّل هول الرعب الذي يسكن قلوب السودانيين في العاصمة الخرطوم (6 ملايين نسمة)، والطائرات العسكرية القاذفة تنزل حممها على شوارعهم وبيوتهم. وهدير قذائف الدبابات، والمدافع، والآر بي جي يصم الآذان، ويزعزع ليس فقط أساسات البيوت والعمارات التي يحتمون بها، بل يهدد بخراب السودان ومستقبل شعبه.
نشرات الأخبار في مختلف وسائل الإعلام العربية والأجنبية لا تتوقف عن موافاتنا، أولا بأول، بتطورات سير المعارك في العاصمة الخرطوم، وفي غيرها من المدن السودانية. وتنقل إلينا آخر ما صدر عن هذا الجانب أو ذاك من بيانات عسكرية أو تهديدات. وتحرص كذلك على إبلاغنا بآخر إحصائيات القتلى والجرحى من المدنيين، وتنقل إلينا صوراً للمواطنين الفارين من الموت وهم يفرون من موت إلى موت، ركضاً في الطرقات، وبحثاً عن ملجأ آمن يقيهم من نيران قذائف تصلهم من كل الجهات والاتجاهات. والذين تمكنوا من النجاة، ووصلوا إلى عواصم أوروبا، أو إلى مدينة جدة السعودية آمنين يتحدثون عما واجهوه في الطرقات من بوابات أقيمت في الطرقات على عجل، وما تعرضوا له من ابتزاز مالي وتهديدات من قبل حرس تلك البوابات مقابل السماح لهم بالعبور.
ووراء الكواليس تسعى واشنطن والرياض إلى إقناع الجنرالين بوقف إطلاق النار واللجوء إلى التفاوض. ومن مختلف عواصم العالم الغربي والإسلامي تتواصل الدعوات مطالبة الجنرالين بوقف نيف الدم والخراب. وبالمقابل يزداد، يوما إثر آخر، أوار نيران الحرب ضراوة، وتتفاقم الخسائر البشرية، وتتحول الشوارع والطرقات بسرعة عجيبة إلى ميادين معارك. وندرك نحن، من خلال ما مر بنا من تجارب الحروب الأهلية في السنوات العشر الأخيرة وأزيد، أن الطريق إلى الحوار قد تعرضت للقصف ودمرت منذ اليوم الأول للحرب، وأن ما بقي من طرق ليس سوى فخاخ تقود إلى مزيد من الموت والدمار، وأن الأزمة الدموية هذه تؤكد على أن السودان قد دُفع قسراً إلى عتمة نفق صراع مهلك على السلطة بلا مخارج، وعلى السودانيين والدول المجاورة دفع فواتير الحرب، على مختلف الأصعدة.
ومن الممكن إذا فشلت، لا سمح الله، مساعي السلام الدولية أن نرى السودان يقسَّم كما حدث في ليبيا، ونشهد قريباً وصول أفواج مرتزقة من جنسيات عديدة. وهذا السيناريو ليس متخيّلا، وليس من قبيل المبالغة والتهويل، بل هو سيناريو متوقع، وتحليل موضوعي، قائم على أسس معطيات مستقاة مما عايشناه من تجارب في بلدان عربية دخلت في أنفاق حروب أهلية، ولم تخرج منها حتى الآن.
كُبر حجم مساحة ليبيا لم يكن كافياً لاستيعاب خلافات الفرقاء المتصارعين على السلطة. والحال ينطبق على السودان أيضاً. فالسودان ثالث أكبر بلد أفريقي في المساحة، لكن، للأسف الشديد، فإن تلك المساحة الشاسعة لا تتسع لوجود جنرالين متصارعين على السلطة.
كل ما نأمله أن تنجح المساعي الدولية والعربية والأفريقية الهادفة إلى وقف الحرب، وإقناع الجنرالين بأنه لا رابح في حرب تدمير وخراب السودان. ومن العقل والضرورة البحث عن حلول لخلافاتهما على طاولات الحوار. اللافت للاهتمام أن تقارير وسائل الإعلام البريطانية تؤكد على أن كلا من الجنرالين يعتقد بإمكانية حسم الأزمة عسكرياً، وهزيمة الطرف الآخر...

الشرق الاوسط 



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات