«انتخابات الكنيست الإسرائيلية الـ 25»
المدينة نيوز :- قراءة في كتاب «تحت المجهر»، كتاب جديد يحمل الرقم «44» في إطار سلسلة «الطريق إلى الاستقلال» صدر حديثاً عن المركز الفلسطيني للتوثيق والمعلومات «ملف»، السلسلة التي أطلقها المركز منذ تسعينات القرن الماضي.
يشمل الكتاب، قضايا فكرية وسياسية وبرنامجية، تمتد وقائع أحداثها على الساحات الوطنية والإقليمية والدولية، يتوزع مضمون الكتاب على 6 فصول، وفق التالي:
- الفصل الأول: المشروع الوطني الفلسطيني وراهنية البرنامج المرحلي.
- الفصل الثاني: انتخابات الكنيست الاسرائيلية الـ25.
- الفصل الثالث: موضوعات في الوضع السياسي الراهن.
- الفصل الرابع: اتفاقات ابراهام ومعضلة اندماج اسرائيل في المنطقة.
- الفصل الخامس: يتضمن دراستين للمفكر والباحث الفلسطيني داوود تلحمي حول قوى اليسار.
- الفصل السادس: الحرب الباردة 1947-1991.
ويختم الكتاب بـ«وثيقة برنامجية»، تتضمن نص التقرير السياسي الصادر عن المؤتمر الوطني العام الثامن لحزب الشعب الديمقراطي الأردني.
في القراءة السابقة للفصل الأول تناولت في التعريف بالكتاب، ما يطرحه من تساؤل مهم هو: هل ما زال البرنامج المرحلي هو التعبير الراهن عن المشروع الوطني؟.
وفي هذا التعريف الثاني بالكتاب، أتناول ما جاء في الفصل الثاني، من دراسة بحثية في «انتخابات الكنيست الإسرائيلية الـ 25 في 1/11/2022»، ونتائجها، وهي متابعة شائكة تواجه الباحثين في الشأن السياسي الإسرائيلي، في ظل التحولات المتسارعة التي تمر بها الأحزاب الإسرائيلية ببرامجها وايديولوجيتها وسياستها العنصرية المستمدة من طبيعة المشروع الصهيوني الذي يقوم تنفيذه على العدوان والقتل والنهب والإحلال على أساس إثني- قومي مفتعل، ومع الانزياح المضطرد نحو اليمين واليمين المتطرف في المشهد الحزبي الإسرائيلي، ازدادت مشكلة التحولات والتبدلات في الساحة السياسية الحزبية الإسرائيلية، وهذا لا يتعلق بحزب أو تيار بعينه، بل هو اتجاه عام يحكم مسار تحرك الخريطة الحزبية بأسرها، بحيث بات اليسار في الوسط، وأحزاب الوسط في اليمين، فيما يستمر توغل قوى اليمين وأحزابه باتجاه العنصرية والتطهير العرقي مسنودة بغلاة المستوطنين وأحزاب الصهيونية الدينية المتطرفة.
ومنذ السنوات الأولى بعد قيام الكيان العبري صنفت الخريطة الحزبية الأحزاب الصهيونية ضمن مجموعات أساسية: يسار ضم الأحزاب العمالية وما يتفرع عنها، وسط يمثل الطبقات الوسطى، يمين يتصدره حزب حيروت، متدين يتكون من الأحزاب الدينية والصهيونية الحريدية، لكن منذ انتخابات نيسان(إبريل) 2019، أقلع المحلّلون عن توزيع مكونات المشهد الحزبي الإسرائيلي ما بين خانات اليمين والوسط واليسار، واعتمدوا تصنيفها بحسب الموقف من نتنياهو، الذي أصبح بقاؤه في السلطة - في نظر خصومه - السبب الرئيس في تفاقُم الأزمة السياسية، إلا أن نتنياهو أحكم قبضته على حزبه، بعد حملة تحريض شَنّها على ثلاثة من قيادات أساسية للحزب، سبق لها أن عبّرت عن طموحها في منافسته على رئاسة «الليكود»، وهو ما دفع محلّلين إلى توصيف «الليكود» بعد هذه الترتيبات بـ«حزب الرجل الواحد».
يضم الفصل الثاني من الكتاب ستة عناوين لموضوعات مرتبطة بانتخابات الكنيست الـ25، كما يلي:
1 - قانون الأبارتهايد.. المحك الأخير للحكومة
2 - في السياق السياسي للانتخابات
3 - المشهد الحزبي الصهيوني عشية الانتخابات
4 - المشهد الحزبي العربي .. من الوحدة إلى التشتت
5 - معطيات إحصائية
6 - نتائج الانتخابات
7 - في مؤشرات النتائج ودلالاتها.
على مشارف انتخابات الكنيست، وعلى وقع الاعتداءات المدعومة من الحكومة، تصدرت الأحزاب والحركات الصهيونية اليمينية المتطرفة المشهد السياسي والحزبي الإسرائيلي، وفرضت كتل اليمين الاستيطاني برنامجه العدواني التوسعي، الذي بات يوجه عمل الحكومة وسلوكها تجاه الملف الفلسطيني، بل ازداد على يد حكومة بينيت - لابيد البناء الاستيطاني، في الضفة والقدس بنسبة 62% وأقيمت بؤر استيطانية جديدة، وارتفعت وتيرة هدم المنازل، وأثبتت حكومة بينيت - لابيد أنها لا تقل شراسة في العدوان وتغولاً في الاستيطان عن حكومات نتنياهو، بل تفوقت عليها في الكثير من إجراءاتها الاحتلالية، اغتالت عدداً من المقاومين، وشنت قوات الاحتلال عدواناً على قِطاع غزّة في 5/8/2022، أطلقت عليه اسم «طلوع الفجر»، اغتالت خلاله قيادات عسكريّة من حركة الجهاد الإسلامي ومن الجناح العسكري للجبهة الديمقراطية، وقتلت 52 فلسطينياً، من بينهم 16 طفلًا. وقد رأى محللون أن وراء هذا العدوان وتلك الاغتيالات دوافع سياسيّة لتحسين صورة رئيس الحكومة الانتقالية يائير- لابيد، وإكسابه مكانة أمنيّة عسكريّة لتحسين صورته الانتخابيّة.
ورداً على العدوانية الاسرائيلية شهدت مناطق مختلفة من الضفة الغربية بما فيها القدس عمليات عسكرية جريئة ومتقنة قام بها شبان فلسطينيون أوجعت الاحتلال ومستوطنيه، وواجه شعبنا بشجاعة اقتحامات الاحتلال للعديد من المدن والمخيمات الفلسطينية.
في حين لم تُقدم إدارة بايدن على أية خطوة عملية تثبت أنها لا تختلف في الرؤية والسلوك عن إدارة ترامب، بتأكيدها على مشروع حل إقليمي عكسته «صفقة القرن»، التي تعني بشقها العربي التطبيع الكامل في الإقليم، وبشقها الفلسطيني، تصفية أهداف النضال الوطني الفلسطيني.
في الفترة بين 24- 30/6/2022 أي بعد عام من تنصيب حكومة بينيت – لابيد في الكنيست في 13/6/2021، صادق الكنيست وباقتراح من رئيس الحكومة على حل نفسه، بتأييد 92 عضو كنيست، والتوجه إلى انتخابات مبكرة موعدها في 1/11/2022، هي الخامسة خلال أقل من أربع سنوات (بين شهري 4/2019 و 11/2022). ومن الطبيعي أن يتلقف نتنياهو وأحزاب معسكره هذا الاقتراح الثمين، وينضموا إلى خصومهم في التصويت لصالحه، وهكذا نجح نتنياهو بإثبات قوة معسكره وانسجام أطرافه فيما بينهم، كما استطاع أن يكشف في إطار المناكفات ضمن الكنيست، ضعف الائتلاف الحكومي وتشتته، وعجزه عن تمرير المشاريع التي يقترحها في الكنيست.
شهدت الساحة الحزبية الإسرائيلية عشية الانتخابات حراكات نشطة وواسعة، وفي الطريق إلى الانتخابات، كثفت الأحزاب الصهيونية استعداداتها، في ظل تبدلات عدة وقعت على خريطة المشاركة، ولا يستثني هذا الأحزاب العربية، اختفى حزب «يمينا» من الخريطة الحزبية، بعد استقالة رئيسه نفتالي بينيت، ثم اعتكافه عن العمل السياسي. واتضح بالممارسة، أن مواقف معظم نواب الحزب كانت ضد التحالف مع «كتلة التغيير» - التي تضم عدداً من الكتل البرلمانية - برئاسة لابيد.
وانحل «يمينا» بفعل ضغوط أوساط واسعة في الحزب وجمهوره الانتخابي، التي أبدت رفضها الشديد لمشاركة «يمينا» في الحكومة، «جنباً إلى جنب مع اليسار والإرهاب»، كما قال عدد من قادة المستوطنين المؤيدين للحزب وأصبح جمهوره الانتخابي هدفاً ثميناً، من المقدر أن تستقطب أحزاب وحركات الصهيونية الدينية معظم أصواته، كونه ينتمي بالأساس إلى أحد تياراتها.
وفي الطريق إلى الانتخابات، يدخلها نتنياهو على رأس تحالف قوي ومتماسك، مع ترتيب أوضاع حزبه، وتوحيد صفوف أطراف «الصهيونية الدينية»، وتسليم جميع أحزاب معسكره بأنه مرشحهم الوحيد لرئاسة الحكومة القادمة، وقد دعا نتنياهو جمهور اليمين إلى التصويت لحزب «الليكود» بالتحديد، باعتباره «القوة المؤهلة» لاستعادة السلطة من يد الخصوم.
بالمقابل، تدخل أحزاب «كتلة التغيير» الانتخابات في ظل غياب موقف موحد حول من هو مرشحهم لرئاسة الحكومة، ويبدو أن الأمر الوحيد الذي يتفقون حوله هو رفض نتنياهو.
من جهة أخرى، فشلت الأحزاب الفلسطينية الثلاثة (الجبهة + التجمع + التغيير) في الاتفاق على رؤية ناظمة لخوض المعركة بصف موحد، خاصة فيما يتعلق بمسألة التقاطع بالتصويت مع الكتل البرلمانية اليهودية.
ثلاث قوائم عربية دخلت الانتخابات، ما يعني انتقالها من حالة التعاون في استقطاب الصوت العربي وعدم تسربه إلى الأحزاب الصهيونية، إلى حالة معاكسة من التنافس فيما بينها على هذا الصوت، وبات هاجس كل من القوائم الثلاث ينحصر في تجاوز نسبة الحسم، وعلى صعيد الأحزاب الفلسطينية في إسرائيل، فقد خطت القائمة المشتركة خطوة جديدة نحو التفكك، فبعد أن غادرها منصور عباس (الحركة الإسلامية الجنوبية) في دورة الكنيست السابقة، فشلت أطراف القائمة المشتركة في التوافق على استراتيجية التحالف السياسي وتكتيكاته، ما أدى إلى انسحاب حزب التجمع الوطني الديمقراطي، فدخلت الانتخابات ثلاث قوائم: القائمة المشتركة اقتصرت على مرشحي الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة برئاسة أيمن عودة، والحركة العربية للتغيير برئاسة أحمد الطيبي، والقائمة العربية الموحدة تمثل الحزب السياسي للحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني بشقها الجنوبي برئاسة منصور عباس، والتجمع الوطني الديمقراطي برئاسة سامي أبو شحادة.
عادت الاحزاب العربية إلى الكنيست، إنما مشتتين بـعشرة مقاعد فقط. حصل تحالف «الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة» و«الحركة العربية للتغيير» على خمسة مقاعد في الكنيست، وحصدت قائمة منصور عباس خمسة مقاعد لـ«القائمة العربية الموحدة»، ولم يحقق «التجمع الوطني الديمقراطي» نسبة الحسم، ولم يحرز أي مقعد.
إن سبب هذا التراجع في النتائج المحققة للقوائم العربية هو التفتت، وخلفيته غياب التوافق السياسي بترجماته التكتيكية، فـالقائمة الموحدة التحقت – في مسار منفرد - بالائتلاف الحكومي السابق بذريعة توفير خدمات للجماهير العربية، وبنتائج متواضعة بقيت بمسافة دون الطموحات المعلنة، وهكذا خاضت المعركة بقائمة منفصلة، تحفظ لها هامش المناورة عن الأحزاب العربية الأخرى في ظل التشكيلة الجديدة للكنيست 25.
لو لم تتشتت الأصوات العربية، ولو نجح التجمع في اجتياز نسبة الحسم، لارتفع عدد المقاعد العربية إلى 14 مقعداً كحدٍ أدنى، ومع ذلك ورغم كل ما حصل، يجب أن تبقى هناك مساحة واسعة للتقاطع والتفاهم بين القائمة المشتركة والتجمع للعمل سوياً في الميدان بشتّى فعاليات الحركة الجماهيرية.
تقف الآن الأحزاب الفلسطينية في مناطق الـ 48 أمام استحقاقات وخيارات سياسية تملي عليها إعادة النظر بتجربة انتخابات الكنيست 25، فالتحاق القائمة العربية الموحدة بائتلاف الحكومة السابقة بقيادة نفتالي بينيت، ولاحقاً يائير لابيد، وأياً كانت شعاراتها ومبرراتها، فإنها شكلت اعترافاً ضمنياً باستحالة الوصول إلى حل ديمقراطي للأقلية الفلسطينية الوازنة (21%) في إسرائيل، واعترافاً ضمنياً في الوقت نفسه، بانعدام الصلة بين الواقع النضالي في أراضي الـ 48 من جهة، وأراضي الـ 67 من جهة أخرى، ناهيك عن الشتات.
أظهرت نتائج الانتخابات تقدم معسكر نتنياهو بحصوله على 64 مقعداً، مقابل 52 نالها في الانتخابات السابقة، أما أحزاب «كتلة التغيير»، فقد حصلت على 46 مقعداً، مقابل 61 مقعداً في الانتخابات السابقة.
حصلت أحزاب معسكر نتنياهو على 12 مقعداً إضافياً، صَبَّت هذه الزيادة في صالح 3 أحزاب («الصهيونية الدينية»- ثمانية مقاعد، «الليكود»- مقعدان، «شاس»-مقعدان). جاءت الزيادة في عدد المقاعد والأصوات حكماً من جمهور الأحزاب اليمينية، وتحديداً حزب «يمينا»، المنحل، الذي كان له 7 مقاعد بنتيجة الانتخابات السابقة، وحصد فيها 273.836 صوتاً (6,21%)، صب معظمها لصالح قائمة «الصهيونية الدينية»، لأن الحزب المنحل كان يشكل أحد أطيافها. وقد نقم جمهور «يمينا» وأقطابه على رئيسه، نفتالي بينيت، بسبب تحالفه مع أحزاب «الوسط واليسار الصهيوني» في الحكومة الأخيرة، وهذا يفسر الانشقاقات والاستقالات الفردية المتتالية في صفوف نوابه بالكنيست. ويرى محللون أن جمهور الحزب المنحل أبدى ثقته بقائمة «الصهيونية الدينية» بقيادة بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير من زاوية أنهما لن يُقدما على مثل ما أقدم عليه بينيت، وهذا يفسر أيضاً محدودية الأصوات التي حصل عليها «الليكود» من جمهور«يمينا» كون نتنياهو تحالف سابقاً مع حزب الوسط «كاحول - لاڤان»، وشكلا معاً الحكومة الخامسة والثلاثين في العام 2020.
لم يتمكّن «البيت اليهودي» الذي يتزعمه شاكيد من اجتياز عتبة الحسم، ولم يحرز أي مقعد، وللسبب ذاته لم يحصل حزب «ميرتس» على أيّ مقعد.
تعاظمت قوة تمثيل أحزاب اليمين واليمين المتطرف في الكنيست الخامس والعشرين، وتجاوز عدد نوابهم كتلة الـ 64، التي فازت على قوائم معسكر نتنياهو. إذ يضاف لهم 18 نائباً، موزعين بين «إسرائيل بيتنا»، و«المعسكر الصهيوني» (ساعَر المتحدر من أصول ليكودية والنواب الموالين له)، وحتى في قائمة «يوجد مستقبل»، فيصبح عددهم 82 نائباً في الكنيست (68%).
حصل التياران الدينيان الحريديان (الأصوليان) على 30% من أصوات اليهود، مقابل 27% في انتخابات- 2021، و22% في انتخابات- 2020. فقد زادت أصوات حزب «شاس» للمتدينين اليهود المتزمتين، من الحريديم الشرقيين، بنسبة 24,4% مقارنة مع الأصوات التي حصل عليها عام 2021، وزادت أصوات «يهودوت هتوراة» بنسبة 12,8%، وكانت النتائج شبه النهائية قد أشارت لحصوله على مقعد ثامن، لكنه ذهب لمصلحة «الليكود» في نهاية عملية الفرز. كما زادت أصوات «الصهيونية الدينية» بنسبة تفوق الـ 100% عما حصلت عليه في الانتخابات السابقة.
ازداد عدد ممثلي تيار «الصهيونية الدينية» في هذه الكنيست، بما يتجاوز عدد الذين فازوا على قائمتها (14 نائباً). فقد فاز 8 مرشحين يؤمنون بأيديولوجيتها ومواقفها على قوائم أحزاب أخرى، وبذلك، يكون عددهم 22 نائباً في الكنيست الجديدة (18%). وتبلغ نسبتهم ضمن عموم كتلة اليمين في الكنيست، 26,8%.
خسر حزب «العمل» في هذه الانتخابات 3 مقاعد، مما حصل عليه في الانتخابات السابقة. وقد عزا محللون السبب إلى أن دور الحزب كان باهتاً في الحكومة، ولم يبذل جهداً لمواجهة سطوة الأحزاب الدينية الأصولية على الحياة العامة، على الرغم من أنها كانت في المعارضة، كما أنه تماهى في مواقفه مع أطراف اليمين الاستيطاني في الحكومة. ولاحظ المراقبون أن أجندة الحزب ركزت فقط على مهاجمة نتنياهو، دون أن تطرح برنامجاً سياسياً واجتماعياً بديلاً. وإضافة إلى ما سبق، خلت قائمة الحزب الانتخابية من مرشحين معروفين للجمهور، باستثناء رئيسته ميراف ميخائيلي .
غاب «ميرتس» عن الكنيست، للمرة الأولى منذ تشكيله، بعدما فشله بتجاوز نسبة الحسم فخسر مقاعده الستة، يتمحور سبب هذه النتيجة حول جانبين: الأول سياسي، ويتعلق بتراجعه عن مواقفه السابقة في معارضة توسيع الاستيطان وترسيم القوانين العنصرية بحق فلسطينيي الـ 48، وقد صَوَّت في الكنيست المنحلة إلى جانب تمديد قانون «لم الشمل» العنصري، كما تجاهل عربدة المستوطنين واعتداءاتهم المتلاحقة على الفلسطينيين، وسكت عن سياسات الإعدامات الميدانية والاغتيالات التي تغولت بارتكابها سلطات الاحتلال، ويتعلق الجانب الثاني بحالة الارتباك التي سادت أوساط الحزب عشية الانتخابات، وهي حالة تكررت وتفاقمت منذ رفع نسبة الحسم إلى 3,25% عام 2015. وكان من المتوقع ألا يتمثل في الكنيست في انتخابات أيلول(سبتمبر) 2019، وآذار/ مارس 2021، لولا أنه خاضها متحالفاً مع أحزاب أخرى.
إن نتائج الانتخابات تبين التحولات المتسارعة في البنية الاجتماعية والحزبية الصهيونية، بتعبيراتها السياسية، وانزياحها المضطرد نحو اليمين والعنصرية وصولاً إلى الفاشية، ممثلاً بصعود أحزاب الصهيونية الدينية المتطرفة، التي فرضت نفسها شريكاً مقرراً مع نتنياهو في الحكم.
ثمة مؤشرات متواترة تؤكد قيام حكومة تحالف يمين متطرف ويمين فاشي ستحاول أن تمتص القلق الذي ساور الأوساط المعنية في عدد من الدول الأوروبية والولايات المتحدة جرّاء تطرف مواقف وتصريحات الحملة الانتخابية، دون أن تحيد جوهرياً عن أساسها القائم على التمييز العنصري والعقاب الجماعي للفلسطينيين في الأراضي المحتلة، وتعميق تهميش الجماهير العربية في أراضي الـ 48. علماً أن تصريحات نتنياهو تؤكد أن الحكومة التي يزمع تشكيلها سوف تستعيد سياسياً، في المضمون والجوهر، «صفقة القرن»، فما بين النهر والبحر لا وجود سوى لدولة واحدة هي إسرائيل، ولن تنسحب إسرائيل من الضفة الغربية باعتبارها أرضاً إسرائيلية «محررة»، وسوف تُصَعِّد الحكومة القادمة من أعمالها القمعية تحت شعار «مكافحة الإرهاب»، دون الاعتماد على التنسيق الأمني، وذلك بإطلاق يد جنود الاحتلال في طول الضفة وعرضها. أما العملية السياسية مع الفلسطينيين – إن وجدت بالأصل - فهي مؤجلة إلى حين إحراز المزيد من التقدم في خطة التطبيع مع الدول العربية، بما يوفر أجواء مناسبة لفرض المشروع الإسرائيلي للحل، وسقفه حكم إداري ذاتي، تحت الهيمنة الإسرائيلية.