مسألة الحماية في القانون الدولي: تصويب الخطاب الفلسطيني
تكررت عبارة «احمونا» في خطابات الرئيس الفلسطيني محمود عباس أمام الجمعية العامة ومجلس الأمن والاجتماعات الخاصة بفلسطين، وكان آخرها خطابه في 15 مايو/ايار الماضي بمناسبة إحياء الذكرى الخامسة والسبعين للنكبة الفلسطينية. والطريقة التي طرح فيها مسألة الحماية لا تليق بالشعب الفلسطيني المناضل حيث بدت وكأنها استغاثة الضعيف المغلوب على أمره الذي يستعطف القوي المتجبر الظالم الذي أدار ظهره للضحية.
وللحظة تذكرت خطاب ياسر عرفات عام 1974 الذي دخل قاعة الجمعية العامة المكتظة تماما وتحدث يومها عن بندقية الثائر وغصن الزيتون فوقف الحضور جميعا لدقائق في موجة تصفيق لا تنقطع.
وسأحاول في هذا المقال أن أتحدث عن موضوع الحماية من ناحية قانونية كما جاء في الوثائق والقرارات التي كان على الرئيس أن يشير إليها ومن موقع القوة، وأقترح كيف كان يجب أن يكون الخطاب.
أولا- المعاهدة الدولية لحماية المدنيين – (Responsibility to Protect- R2P ) – في القمة التي عقدت عام 2005 بمناسبة الاحتفال بالذكرى الستين لإنشاء الأمم المتحدة، اعتمد المشاركون من كل دول العالم بمن فيهم 128 رئيس دولة أو حكومة، البيان الختامي الذي تضمن وثيقة «مسؤولية الحماية» لكل من يقع تحت مسؤولية الدولة. وقد تضمنت الوثيقة ثلاثة بنود أساسية:
1: من مسؤوليات أي دولة حماية جميع المواطنين الواقعين تحت سيادتها.
2: على جميع الدول التعاون في مسألة حماية المواطنين. فإذا فر مواطنو دولة يتعرضون للإبادة إلى بلد مجاور يتعين على بلد الاستقبال أن يحمي المواطنين الفارين من بلد الجريمة. مثلا: قامت تركيا وإيران بتوفير الحماية للأكراد الذين فروا من شمال العراق في شهر أبريل/نيسان عام 1991 بعد هجوم الجيش العراقي الذي أخمد للتو تمرد شيعة الجنوب. وقد أكد القرار 688 (1991) هذا الموقف ووصف القرار بأنه أول قرار يجيز «التدخل الإنساني»، وهو ما تكرر لمسلمي كوسوفو الذين فروا الى ألبانيا عام 1999.
3: في حال فشلت الدولة في حماية المواطنين الواقعين تحت سيادتها تصبح مسؤوليىة المجتمع الدولي توفير هذه الحماية، وذلك عن طريق اتخاذ خطوات عقابية تصل إلى حد إعلان الحرب على تلك الدولة كما جاء في الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة. وقد أقر مجلس الأمن الدولي عام 1994 إعلان ست مناطق في البوسنة تحت حماية قوات حفظ السلام. صحيح أن الأمم المتحدة فشلت في تلك الحماية إلا أن قرار الحماية كان منسجما مع القانون الدولي.
نقطة ضعف وثيقة «مسؤولية الحماية» هي أن قرار التدخل لحماية المدنيين الذين يتعرضون للمجازر أو الانتهاكات الجسيمة يحتاج لقرار من مجلس الأمن الدولي وبالتالي يأتي دور الدول الخمسة الدائمة العضوية لتمنع أو تسمح متى يكون التدخل للحماية. وكما استطاعت روسيا أن تشكل مظلة حماية للنظام السوري وهو يرتكب المجزرة تلو الأخرى استطاعت الولايات المتحدة أن تشكل مظلة حماية للكيان الصهيوني وهو يرتكب المجازر والحروب والانتهاكات المتواصلة وخاصة على قطاع غزة.
ثانيا- قرارات مجلس الأمن حول حماية الفلسطينيين
– خلال الانتفاضة الأولى (1987-1993) اعتمد مجلس الأمن خمسة قرارات تتعلق بحماية الفلسطينيين الواقعين تحت الاحتلال ورفض إبعاد القيادات الفلسطينية أهمها القرار 605 (1987).
لقد أكد القرار 605 الصادر بعد أيام من انطلاق الانتفاضة (22 ديسمبر/كانون الأول 1987) بضرورة حماية الشعب الفلسطيني وأن اتفاقية جنيف الرابعة تنطبق تماما على الوضع في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وطالب القرار إسرائيل بالإلتزام فورا وحرفيا باتفاقية جنيف وتأمين الحماية للشعب الفلسطيني. كما طلب في بنده السابع من الأمين العام للأمم المتحدة أن يقدم تقريرا خلال شهر واحد حول سبل حماية الشعب الفلسطيني. وقد اعتمد القرار بغالبية 14 صوتا بينما صوتت الولايات المتحدة بـ «امتناع».
– بعد مجزرة الحرم الإبراهيمي في الخليل التي وقعت في رمضان يوم 25 فبراير/شباط 1994 وسقط على أثرها 29 شهيدا ونحو 150 جريحا اعتمد مجلس الأمن بالإجماع القرار 904 بتاريخ 18 مارس/آذار تحت عنوان: «تدابير لضمان سلامة وحماية المدنيين الفلسطينيين في الأراضي التي تحتلها إسرائيل». وقد أكد القرار في مقدمته على انطباق اتفاقية جنيف الرابعة على الأرض الفلسطينية المحتلة. وجاء في نقطته الثالثة: «يدعو إلى اتخاذ تدابير لضمان سلامة وحماية المدنيين الفلسطينيين في جميع أنحاء الأرض المحتلة، بما في ذلك، من بين أمور أخرى، وجود دولي أو أجنبي مؤقت، والذي تم توفيره في إعلان المبادئ (S / 26560) ، في سياق عملية السلام الجارية». وقد تم بالفعل إيجاد آلية صغيرة غير مؤثرة من مجموعة مراقبين من دول الشمال الأوروبي ثم قامت إسرائيل بطردهم دون سابق إنذار.
ثالثا- قرار الجمعية العامة بتوفير الحماية
بتاريخ 11 يونيو/حزيران 2018 وبعد سقوط عشرات الشهداء في مسيرات العودة، وبعد أن استخدمت الولايات المتحدة الفيتو في مجلس الأمن ضد مشروع قرار تقدمت به الكويت حول حماية الشعب الفلسطيني، صوتت الجمعية العامة في دورتها الاستثنائية الطارئة العاشرة على القرار (A/ES-10/L.23) المتعلق بحماية الشعب الفلسطيني، تقدمت به الجزائر نيابة عن المجموعة العربية، وتركيا نيابة عن منظمة التعاون الإسلامي. وحصل القرار على 120 (نعم) مقابل 8 (لا) و45 (امتناع). وقد فشلت محاولة نيكي هيلي إقحام تعديل لإدانة حركة حماس وتحميلها المسؤولية في تأجيج العنف والتحريض.
وطالب القرار في فقرته الثالثة عشرة الأمين العام بـ»إعداد تقرير في فترة لا تتجاوز 60 يوما يتضمن، اقتراحاته للوسائل والطرق التي يمكنها ضمان سلامة وحماية ورفاه المدنيين الفلسطينيين الواقعين تحت الاحتلال الإسرائيلي، بما في ذلك توصيات حول تشكيل بعثة حماية دولية». وبالفعل قدم الأمين العام ثلاثة مقترحات لتوفير الحماية، من بينها نشر مراقبي حقوق إنسان على الحواجز، وتوسيع وجود الأمم المتحدة، أو اعتماد بعثة مراقبة من مجلس الأمن للقيام بمهمة المراقبة والحماية، وانتهت كل الاقتراحات إلى العدم.
ما كان يجب أن يقال في الخطاب:
كان بإمكان الرئيس عباس، بدل استغاثته «إحمونا»، أن يستند إلى تلك الاتفاقيات والقرارات الدولية ومن موقع القوة فيقول: «أيها السيدات والسادة ممثلي الدول الـ 193 كيف تصوتون بالإجماع على وثيقة «مسؤولية الحماية» عام 2005 ولا تتبعون كلماتكم بالأفعال؟ هل الوثيقة كانت للتسلية؟ هل كان المقصود منها العلاقات العامة فقط أم أنها وثيقة رسمية مهمة توافق عليها العالم لإغلاق باب المجازر والانتهاكات اللامحدودة بحق الشعوب في الحياة والحرية والكرامة الإنسانية؟
كيف لممثلي الدول الأعضاء في مجلس الأمن أن يعتمدوا قرارين يتعلقان بحماية الشعب الواقع تحت الاحتلال: القرار 504 (1987) بعد الانتفاضة الأولى والقرار 904 (1994) بعد مجزرة الحرم الإبراهيمي في الخليل ثم يهملون هذين القرارين التاريخيين اللذين يطالبان بحماية الشعب الفلسطيني من بطش سلطات الاحتلال؟
كيف لـ 120 دولة في الجمعية العامة تعتمد قرارا تحت بند «متحدون من أجل السلام» والذي يعادل في قوته قرارات مجلس الأمن، لتوفير الحماية للشعب الفلسطيني ثم يتم التراخي عن متابعة اقتراحات الأمين العام؟
كيف تعتمدون قرارات مهمة كهذه ثم تديرون ظهوركم لها؟ ألا تشعرون بالحرج عندما تلتقي إراداتكم على اعتماد موقف موحد يتضمن خطوات عملية لحماية الشعب الواقع تحت الاحتلال ثم تنفضون أيديكم من تبعات تلك القرارات؟ تقررون من جهة أن اتفاقية جنيف الرابعة المعنية بحماية المدنيين في زمن الحرب والاحتلال تنطبق علينا، وتدعون لتأمين الحماية لنا، ثم تعجزون عن تنفيذ ما اتفقتم عليه.
إذن، لا يضعن أحدٌ اللوم علينا إنْ قررنا أن نحمي أنفسنا من احتلال ظالم قاهر دموي وغير شرعي. نحن لا نستجدي أحدا فنحن قادرون على حماية أنفسنا وإذا هدد أمننا سنهدد أمن الآخرين، وإذا كان للآخرين حق الدفاع عن النفس فمن حقنا أيضا الدفاع عن أنفسنا. وإذا لم يؤخذ في الحسبان حقنا في الدفاع عن أنفسنا فلا يلومننا أحد إن استللنا من جراحنا سلاحا نحمي به أنفسنا.
هل نحمي أنفسنا بالأناشيد والخطابات؟ هل نحمي أنفسنا بالبكاء والصراخ ودق أبواب المجتمع الدولي للنجدة؟ من يعتقد أننا سنستسلم للغزاة والمحتلين والعنصرين والمستوطنين فهو لا شك واهم. ليس أمامنا إلا أن نستمر في مقاومتنا الشرعية ضد هذا الاحتلال غير الشرعي أسوة بكل شعوب الأرض التي قاومت مستعمريها وهزمتهم ولن نكون الاستثناء الذي يتقبل الهزيمة فشعبنا في النهاية لا بد سينتصر».
محاضر في مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة رتغرز بولاية نيوجرسي
القدس العربي