القاتلُ يأسَف

تم نشره الخميس 08 حزيران / يونيو 2023 12:13 صباحاً
القاتلُ يأسَف
سهيل كيوان

أعرب جيش الاحتلال الإسرائيلي عن أسفه لمقتل الطّفل محمد هيثم التميمي ابن العامين، في قرية النبي صالح شمال غرب رام الله. هذا الأسف السِّياسي موجّه إلى مؤسِّسات حقوقية، وجهات دولية وجمعيات إنسانية من إسرائيل نفسها، قد تطالِبُ وبعضها طالب بالفعل بتوضيحات بشأن مقتل طفل يبلغ من العمر عامين، ليصبح عدد الأطفال الذين سُرقت أعمارهم، على يد جنود الاحتلال والمستوطنين 28 طفلا منذ بداية هذا العام.
على مدار عقود حاول مسؤولو الإعلام في الجيش، ومختلف قوات الأمن ترويج انطباعٍ مضلِّلٍ، بأنّ الجيش لا يستهدف سوى المتورِّطين في المقاومة المسلّحة، ولهذا فهو يأسف إذا ما قُتل مدنيٌّ، وهذا الكذب انطلى على كثيرين في العالم، وحتى على بعض العرب والفلسطينيين أنفسهم، الذين تحدَّثوا عن «عدو عاقل خير من صديق جاهل». هذا الأسف السَّياسي الدبلوماسي، لم يعد يعني شيئا منذ عقود، لأن الأسف الحقيقي يعني العمل الجدي بأن لا يحدث هذا مرة أخرى، ويعني أن الحادث وقع نتيجة ظروف اشتباك معقّدة أدت إلى إصابة أبرياء من بينهم الطفل، وأن هذا أمر نادر الحدوث، لنقل مرةً في كل بضع سنوات. ولكن الحقيقة والإحصاءات تثبت أن هذا الأسف قناع ذئب، ويحمل في طياته استهتارا بالضّحايا وبالجهات أن تثير الأسئلة. معظم شهداء الشعب الفلسطيني هم من المدنيين، استشهدوا خلال مواجهات شعبية كالمظاهرات وغيرها، أو قتلوا في بيوتهم وطرقات بلداتهم. في عام 2022 مثلا قُتل حوالي ستين طفلا فلسطينيا بنيران قوات الاحتلال بمختلف مسمَّياتها.

الاحتلال يعني استخدام القوة، ولا يمكن أن يكون احتلالا ومنصفا في الوقت ذاته، ولا يمكن أن يكون إنسانيا لأنّ أعلى درجات الوحشية هي الاحتلال

الأسف الحقيقي يعني على الأقل ترك أهالي بلدة الشهيد، أن يشيّعوه من غير استفزازهم، تَرْكُهم يعبّرون عن حزنهم وغضبهم المشروع، والابتعاد على الأقل عن الطريق الذي يمرُّ منه موكب التشييع، لكن المتأسِّف لأجل الإعلام فقط، يسعى لاستفزاز المشيّعين، ثم يمطرهم بالغاز والقنابل الصوتية والرَّصاصِ الحيِّ والمطاطيِّ، ليظهر الوجه الإجرامي الحقيقي للاحتلال. في حالات أخرى اختطفوا الجثمان واحتجزوه، وفي حالات كثيرة حدَّدوا عدد المشيِّعين، وفي أخرى هاجموا النَّعش، كما حدث في موكب تشييع الشهيدة شيرين أبو عاقلة. يأسفون لمقتل الطفل وكأن قتل أو إصابة البالغين مشروعة. الوالد الثاكل هيثم التميمي لم يكن مسلّحا كذلك، كان قد أخذ صغيرَه ليرافقه في زيارة بيت شقيقته للاحتفاء معها بعيد ميلادها، وما أن شغّل محرِّك سيارتِه وأضاء مصابيحَها حتى انهال الرصاص على السَّيارة فجرحه وأثكله بابنه. هذا لا يحدث بالخطأ، هم يعرفون البيت ومن يسكنه، ولكن ما من مشكلة بأن يطلقوا النار على سيارة عربية، وليُصب من يصب، وليُقتل من يُقتل، والقضية محلولة، الادعاء الروتيني بوجود الضحايا في منطقة وقع فيها اشتباك مسلّح مع «مخربين»، والجيش سيفحص مصدر الرّصاصات القاتلة، إلى هنا وينتهي الأمر. الجنود يطلقون الرصاص عشوائيا لأنَّهم معبّأون بالكراهية والحقد، وثانيا لأنَّهم يحظون بغطاء ودعم من القيادات العَسكرية والسياسية، ويعرفون أنَّ الذين قتَلوا مدنيين أطفالا وغير أطفال من قبلهم لم يُحاسبوا، وانتهى الأمر بالتربيت على الأكتاف، وببيان ضبابي للرأي العام، وفي أقصى الحالات قد يكون توبيخا للاستهلاك الإعلامي، كذلك فإن هذه وسيلة ضغط على المقاومين، ولتنفير الناس منهم في حال وجدوا بالفعل بالقرب من المكان، وهذه سياسة قديمة. مرَّة يقتلون مُسنا من غير قصد، ومرة صحافية، ومرة فتاة على سطح بيتها، ومرة طفلا عائدا من مدرسته، وأخرى طفلا برفقة والده.
من يتابع ردود الفعل على شبكات التواصل يعرف أن قطاعات واسعة من الشَّعب الإسرائيلي تتعايش مع قتل المدنيين الفلسطينيين كأمرٍ روتينيٍ، باستثناء قِلّة نادرة، معظم التعقيبات فاشية، أو تبرّر الجريمة، يحمِّلون فيها المسؤولية للضحايا، الذين يقاومون، ولو بالمشاركة في مسيرة، أو لمجرد الدخول إلى أراضيهم لحماية مزروعاتهم من تخريب المستوطنين، أو لمجرد مرورهم من مكان فيه مواجهات.
من يعتقل آلاف الأطفال في كل عام للتحقيق، ويبقي بعضهم معتقلا إلى مُدَدٍ طويلة، ومن يقتحم البيوت في الليل ليعتقل طفلا، لا يمكن أن يكون رؤوفا ورحيما، العكس صحيح، فهو سيزداد وحشية كلّما أوغل في اعتداءاته، لأنَّه يحتاج إلى مبرِّرٍ لما يقوم به. هكذا هو الاحتلال، فالاحتلال يعني استخدام القوة، ولا يمكن لهذا الاحتلال أو غيره أن يكون احتلالا ومنصفا في الوقت ذاته، لا يمكن للاحتلال أن يكون إنسانيا لأنّ أعلى درجات الوحشية هي الاحتلال.
كاتب فلسطيني

القدس العربي 



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات