مریم رجوی: انتفاضة كبرى ضد الاستبداد الديني تلوح في الأفق
المدينة نيوز :- منذ ديسمبر 2017، شهدت إيران عدة انتفاضات كبرى. بدأت أكبر انتفاضة في سبتمبر 2022 بعد القتل الوحشي لفتاة كردية تدعى جينا أميني.
غيرت هذه الانتفاضة المشهد السياسي في إيران. وخلقت تطورات مهمة: حتمية إسقاط النظام، وصول حكم الملالي إلی طریق مسدود، قفزة المقاومة المنظمة داخل إيران، وفشل البدائل الزائفة.
طبعا هذه الانتفاضة لم تكن ظاهرة وليدة الساعة، والدور القيادي للمرأة فيها لم يكن عرضيًا أيضًا، بل كان من جهة نتاج أكثر من 40 عامًا من نضال الشعب والمقاومة الإيرانية بدفع ثمن باهظ. ومنها مجزرة 30000 سجين سياسي عام 1988 والصمود أمام التعذيب والسجن والقمع، ومن جهة أخرى، كانت نتاج نضالات ودور المرأة في قيادة المقاومة خلال العقود الماضية.
أثبتت الانتفاضة الأخيرة أن الشعب الإيراني عقد عزمه لإسقاط النظام. وكانت النساء يتولين دور الريادة في هذه الانتفاضة، وقمن بقیادة شباب الانتفاضة في كثير من المشاهد. الدور الملفت للنساء يمثل علامة أخرى لعزم المجتمع الإيراني لتغيير كبير ولاستعداد الشعب لدفع ثمن باهظ من أجل الحرية. خلال 6 أشهر، قتل مالايقل عن 750 من المتظاهرين على يد قوات الحرس.
ومع ذلك، على الرغم من القمع، أصبحت الحالة تنذر بمزيد من الانفجار. هناك العديد من الاحتجاجات والإضرابات. دخل عمال النفط والغاز والصلب ومحطات الطاقة ومناجم النحاس في إضراب في 38 مدينة إيرانية. وأهالي زاهدان كبرى مدن محافظة بلوشستان يتظاهرون كل أسبوع بعد صلاة الجمعة ويصرخ المتظاهرون الموت لخامنئي و”الموت للظالم سواء كان الشاه أو خامنئي“.
نتائج الانتفاضة
أولا- مأزق النظام الذي لا يتحمل أقل إصلاح. لأنه يكسر هيمنة خامنئي ویؤدي إلی سقوط النظام بأكمله. النظام يتخذ إجراءات من أجل بقائه، مما يزيد من الاستياء ويؤجج نار الانتفاضة. باختصار، أصبح من المستحيل العودة إلى الأوضاع قبل الانتفاضة. والنتيجة أن إسقاط النظام بید الشعب وانتفاضتهم المنظمة ومقاومتهم أمر مؤكد.
النظام وخاصة مكانة خامنئي ورئيس النظام قد ضعف بشدة. كما تعرّض هيكل النظام لتساقط في عناصره خاصة في قوات الباسيج بشکل مستمرّ. وهبطت قيمة العملة الرسمية للبلاد 17 مرة مقارنة بعام 2015. التضخم بنسبة 50 بالمائة، والبطالة المتزايدة، والفساد الحكومي المنهجي، وانتشار الفقر بين المواطنين، كل ذلك وضع النظام أمام المجتمع الذي ينوي الإطاحة به.
ثانيًا: لم تترك هذه الانتفاضة مجالًا للشك في أن الشعب الإيراني يريد إنهاء الدكتاتورية الدينية وإقامة جمهورية على أساس الانتخابات الحرة وفصل الدين عن الدولة والقيم الديمقراطية، فالنظام غير قادر على إطفاء نار الانتفاضة. واليوم، أصبح الموت لخامنئي شعارًا تنطق به كافة شرائح المجتمع. مثل شعار الموت للشاه في الأشهر الأخيرة من حكم الشاه.
ثالثا- التحالفات المزيفة والبدائل الكاذبة فشلت وخرجت من الساحة. عندما تعالت الاحتجاجات، ظهر البعض في الساحة بزعم أنهم معارضة، وهم ليسوا إلا ألاعيب بيد القوى الغربية وادّعوا بأنهم يمسكون قيادة الانتفاضة وكانوا يجرون عروضا سياسية حول تشكيل بدائل على شاشات القنوات التلفزيونية لتلك الحكومات. لكن الجميع لاحظوا بسرعة أنه ليس لدى هؤلاء أي دور في الانتفاضة. كما أن بعض هؤلاء “المعارضين” أعلنوا دعمهم للعمل مع قوات الحرس. كل هذه الحالات جاءت بهدف وضع عراقيل أمام الانتفاضة وفعلا أضرت بالانتفاضة ولصالح خامنئي. لهذا السبب رفضهم المجتمع الإيراني.
رابعاً: التحسن الملحوظ في الشبكات الاجتماعية للمقاومة.
اتضح أن القوة الأساسية للانتفاضة هم الشباب، وخاصة النساء، الذين يشكلون وحدات المقاومة. وأجرت هذه الوحدات نحو ثلاثة آلاف عملية خارقة لأجواء القمع والكبت في العام الماضي. أعلنت المقاومة الإيرانية، في مارس 2023، أنه منذ بداية الانتفاضة، تم سجن أكثر من 3600 عنصر من وحدات المقاومة أو مفقودون لا أثر لهم. التطور المهم هو أن عدد الأشخاص الذين انضموا إلى هذه الشبكة في إيران أكبر بكثير من عدد المعتقلين. وهذا إنجاز رائع.
النظام في تحليله الداخلي يقيّم المجاهدين على أنهم مجموعة “لها هيكل تنظيمي متماسك وموحد”، و”شبكة نفوذ في البلاد، وقوة وسوابق من النضال، وقوة استخباراتية عالية للتحايل على الأنظمة الاستخباراتية، وهي المنظمة الوحيدة التي لديها خطة لتكون بديلاً، لذا فهي تخريبية وموذية”.
إجراءات النظام لمواجهة الانتفاضة:
لاحتواء الانتفاضة وبقاء كيان النظام، يعتمد النظام على القمع الوحشي للاحتجاجات وزيادة عمليات الإعدام والاعتقالات الجماعية.
خلال شهر مايو من هذا العام، تم الإعلان رسميًا عن 127 عملية إعدام، لكن العدد الدقيق أعلى من ذلك بكثير. وعقب ذلك أعلن رئيس السلطة القضائية أن هناك مزيد من الإعدامات على الأبواب. الهدف هو بث الخوف لمواجهة الانتفاضة ولكن خلاف حسابات النظام زاد السخط العام ضد النظام.
لقد كثف الملالي أعمال قمعهم، وخاصة ضد النساء. خططوا لهجمات كيماوية على مدارس البنات.
وخلقوا العديد من القيود بفرض الحجاب الإجباري على النساء. تم القبض على العديد من النساء. وشعار النساء في إيران :محجّبات أو سافرات، إلى الأمام نحو الثورة” وأنا أكدت دوما:
لا للحجاب الإجباري، ولا للدين القسري، ولا لحكم الجور.
كما أن الملالي وبهدف التشهیر يمارسون حملات بث معلومات كاذبة، ويروجون أنه ليس هناك بديل للنظام الحاكم.
ومؤخرا، تم الكشف عن وثائق من وزارة خارجية الملالي تظهر أن أهم المؤسسات السياسية والأمنية للنظام، بما في ذلك قوات الحرس، وفيلق القدس الإرهابي، والسلطة القضائية، ووزارات الخارجية والداخلية والمخابرات قد شكلوا لجنة مشتركة لمواجهة مجاهدي خلق. ومن إجمالي 13 إدارة عامة بوزارة الخارجية، يشارك في هذه اللجنة رؤساء سبع إدارات عامة. من بين أمور أخرى، فقد تبنوا خططا لما وصفوه بـ “تشويه سمعة مجاهدي خلق”.
التزامنا الراسخ لإسقاط النظام
نعتقد أن الشعب الإيراني والمقاومة الإيرانية قادران على إسقاط هذا النظام. أهم مبدأ نؤمن به هو الحرية. قدم 120.000 من أبناء الوطن أرواحهم من أجل الحرية.
نحن وشعبنا نؤكد على حكم الشعب ونبذ أي نوع من الديكتاتورية. سواء الاستبداد الديني أوالاستبداد الملكي. وكان الشعار العام للشعب الإيراني في هذه الانتفاضة لا لنظام الشاه ولا لنظام الملالي. نحن نعمل جاهدين من أجل أن يحصل شعبنا على الحرية والديمقراطية بأي ثمن كان.
قبل 19 عاما، قلت في اجتماع بالبرلمان الأوروبي: الملالي في طهران يوحون بأن أي تغيير جدي يتطلب حربا خارجية، وليس هناك خيار آخر سوى المهادنة والمسایرة مع النظام. لكنني قلت أن هناك حلا ثالثا: التغيير على يد الشعب والمقاومة الإيرانية.
الآن أريد أن أؤكد أن هذا الحل خرج من قلب انتفاضة الشعب الإيراني.
لقد نشأ البديل الحقيقي في قلب معركة طويلة ضحت من أجلها الأجيال المتعاقبة بحياتها.
ويضم المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية الذي تشكّل قبل أربعة عقود في طهران آراء مختلفة.
يتكون برنامج المقاومة الإيرانية من إقامة نظام جمهوري، وفصل الدين عن الدولة، وضمان الحريات الفردية والاجتماعية كاملة، والمساواة بين الرجل والمرأة، والحكم الذاتي للقوميات، وإلغاء عقوبة الإعدام، وتشكيل نظام قضائي مستقل، وتفکیك قوات الحرس، و إيران غير نووية، والتعايش والتعاون الدولي والإقليمي. في قلب هذا البديل تؤمن منظمة مجاهدي خلق بالإسلام الديمقراطي وفصل الدين عن الدولة وبالنتيجة تشكل هذه المقاومة نقيض الاستبداد الديني.
الافق المنظور
منذ عام 2017، اندلعت نار كل انتفاضة قمعها النظام من مكان آخر بشكل أعمق وأوسع وجعلت النظام أضعف من ذي قبل.
أظهرت التطورات بعد انتفاضة خريف 2022 أن ظروف المجتمع الإيراني تنذر بالانفجار رغم كل أعمال القمع التي مارسها النظام. الشعب لم يعد يتحمل الوضع الراهن وأن الوضع لن يعود إلى ما كان عليه قبل سبتمبرالماضي.
انتفاضات كبرى تلوح في الأفق بسبب عدم الرضا الاجتماعي وأنشطة وحدات المقاومة.