انظروا من يتحدث عن الحرية

أيا كانت طبيعة وسياسات واساليب النظام السوري وأيا كانت المواقف منها .. فهل يحق لكل من هبَّ ودبَّ ان يتحدث عن هذه الطبيعة والسياسات والاساليب وان يدينها ويدعو لحشد دولي ضدها, وبشكل اكثر تحديدا هل يحق لفرنسا التي أزهقت ارواح ملايين البشر وترفض الاعتذار حتى الآن عن ضحايا هذه الحروب ان تتحدث عن الحرية في اي بلد في العالم, وهل يحق لساركوزي الذي قمع تمرد العمال والفقراء في ضواحي باريس عندما كان وزيرا للداخلية ان يتحدث عن حقوق الانسان في ضواحي دمشق ..
وهل يحق لفرنسا وريثة التقاليد والحروب الاستعمارية خاصة في الوطن العربي, من الجزائر الى سورية ان تتحدث عن حق الشعب السوري في الاستقلال والسيادة ...
ومثل فرنسا, الامريكان اصحاب الارقام القياسية في المذابح وحملات الإبادة الجماعية وليس السجل التركي افضل حالا, حيث لم تتوقف حملات الإبادة والتهجير ضد ثلث السكان من الاكراد, حتى الآن ..
هذا عن حقوق الانسان والحريات عموما, أما عن التعددية وتداول السلطة, فإذا كانت سورية خاضعة لحزب البعث منذ عام ,1963 فان امريكا وفرنسا وبريطانيا ومجمل الدول الرأسمالية الكبرى, خاضعة لحزبين, فقط منذ قرن على الاقل, وهما في حقيقة الامر نسختان لحزب واحد هو الرأسمالية بأشكالها المختلفة, رأسمالية سوق ودولة يجمعهما العداء للشرق ونهبه واستعماره وتسويق كذبة الليبرالية فيه عن طريق نشطاء وعملاء بالقطعة.
وليس لنا ان ننسى لحظة واحدة ان حقوق الانسان العربية هي آخر ما يعني هؤلاء الرأسماليين اللصوص القتلة النهابين. فما يريدونه لسورية ليس استبدال دولة شمولية بدولة تعددية بل تحطيم الدولة نفسها كما فعلوا مع العراق, ملايين القتلى والمشبوهين ومليارات الدولارات المنهوبة, واتحاد وطوائف لا دولة مركزية مدنية ..
ولمن لا يذكر ايضا فقبل تمزيق الشرق العربي بعد الحرب العالمية الاولى نظم الفرنسيون مؤتمرا في باريس لدعم الديمقراطية والحرية في سورية, وبالغ البريطانيون أسلاف الامريكان, بوعودهم للعرب في دولة موحدة حديثة, فماذا كانت النتيجة .. وماذا ينتظر جماعة المؤتمر السوري اليوم في باريس اكثر مما انتظر أسلافهم, سورية ممزقة تابعة ذليلة وبيوت تغص بالمشوهين .. واقتصاد منهك وفتن طائفية لا تنتهي. (العرب اليوم)