هذه الطينة من تلك العجينة!

يبدي عددٌ من الأنظمة العربية، استياءه البالغ من سقوط أعداد كبيرة من القتلى والمصابين على أيدي أجهزة القمع السورية...ولقد ارتفع منسوب غضبها، منذ أن اجتاز عدد الضحايا حاجز «الألفي شهيد» قبل بضعة أسابيع...وهذا موقف كنا سنعتبره «إنسانياً» و»قومياً» بامتياز، لو أن هذه الأنظمة مرّت بما يمكننا أن نسميه «الاختبار السوري».
لكن مشكلتنا مع هذه الأنظمة، أو مشكلتها معنا، نحن الذين لا نأخذ «صدقيتها» على محمل الجد...أنها لم تمر بهذه التجربة إطلاقاً، أو مرت بها على نحو «عابر» تماماً وخجول للغاية...
لقد رأينا دباباتهم في الشوارع...واستمعنا لتهديدات باستخدام القوة لفض أي حراك شعبي مهما كان، ومهما كلف الأمر...لقد رأينا ضحايا يتساقطون، بين قتيل وجريح، يفوق تعدادهم بالمعنى النسبي، عدد ضحايا المذبحة المستمرة في حمص والرستن ودرعا ودوما وغيرها من البؤر السورية المشتعلة.
حتى في تجارب «الانتقال السلمي» للديمقراطية التي نتحدث عنها، ونتمنى لو أنها تصبح نموذجاً معمماً في مختلف دول ومجتمعات الربيع العربي، لم يكن الانتقال سلمياً أبداً....كان باهظ الكلفة بمكل المقاييس، ولقد جرت دماء غزيرة وعزيزة في الشوارع والميادين والطرقات...في مصر على سبيل المثال، سقط ما يربو عن الألف شهيد، في أسابيع ثلاثة فقط، جلهم سقطوا في يومين أو ثلاثة أيام...أما تونس الخضراء، مبتدأ الربيع العربي وطلقته الأولى، فقد تلونت بالأحمر القاني، وفقدت مئات الشهداء والجرحى في ظرف أسبوعين اثنين...ولو قدّر لحاكمي مصر وتونس أن يلعبا بورقة الجيش كما ينبغي، لكانت الدماء قد بلغت الحناجر، وليس «الركب» فحسب.
بعض أنظمتنا أدرك هذه «الحكمة» مبكراً، وتصرف بوحي منها...لقد وقف النظام السوري إلى جانب شقيقه الليبي، ويقال أنه أمده بكل ما طالته يده، لإطالة أمد بقائه في سدة الحكم...ودعمت دمشق دخول «درع الجزيرة» للبحرين، مقامرة بالاختلاف مع «حليف استراتيجي» وقف بكل قوة وعزم، ضد هذا التدخل والدخول...ودعمت الجزائر ليبيا وسوريا، ودعم السودان نظام الرئيس بشار الأسد في المحافل العربية، وتبادل الحكام المستهدفين بشوارعهم وميادينهم وساحاتهم التي حملت أسماءهم وألوانهم، التضامن والتآزر ...لقد تعاملوا بوحي القاعدة التي تنصح بتفادي مصير الثور الأبيض بعد أن تخلى عن شقيقه الثور الأسود، إلى غير ما هنالك من مواقف دعم متبادلة، القاسم المشترك الأعظم لمن تبادلوها، أنهم كانوا يخشون «سيناريو مماثلا»، فزرعوا السبت علّهم يحصدون الأحد.(الدستور)