معان تستحق أكثر..

سرني أن تكون معان عاصمة للثقافة الأردنية ومع أن جهداً كبيراً بذل من بعض أبنائها (بعض) لوضعها في المكان المناسب في (فاترينة) الثقافة الأردنية بما لديها من مكونات ثقافية ذات مصادر منوعة..فمعان أردنية وهي حجازية وشامية في تكوينها وهي حضرية وبدوية..وهي صحراوية وغنية بمائها وأرضها هي واحة..وهي الموقع الذي احتفى به رحالة ومؤرخون..هي معبر الى بلاد الشام وممر لجيوش الفتح التي انطلقت من الجزيرة العربية لتصل الى الصين شرقاً والأندلس غرباً..
هي مركز الثورة العربية الأول في الأردن حين حط الأمير المؤسس الركاب فيها وأقام منزله ومعسكره ونشر جريدته «الحق يعلو» وحين جاءت الوفود العربية من كل فج عميق وعلى كل ضامر ليشهدوا انطلاقة الثورة وفجرها الابلج..فجاءه السوري والعراقي والفلسطيني واللبناني ليلتقوا الحجازي والأردني على هذه الأرض الطيبة..
هي معان التي رابط فيها الغساسنة العرب وانحازوا الى جيش خالد في مؤتة وقد شهدت معان أول الشهداء الذين حملوا راية الاسلام خارج الجزيرة..
لمعان قصة طويلة وتاريخ يضرب جذوره في الجغرافيا فقد ظل المعانيون يتحلون بالنخوة والكرم ويستطيعون تأمين الطرق واقامة التجارة وقد ازدهرت معان بسكة الحديد التي حملت اليها جديد اسطنبول وربطتها بالخلافة السنية العثمانية قبل موجة التتريك والانقلاب على الدستور وانطلاق صرخة العربي في مكة لتبلغ معان وتنطلق منها..
معان تستحق اليوم أكثر وان يكون ختام عامها مسك بالمزيد من الاعتناء بالثقافة المتكونة فيها والتي يجري احياؤها في مواقعها..
قد تكون هناك ظروف ذاتية وموضوعية محيطة لم تُمّكن معان من ان تقدم نفسها في الثقافة الأردنية وللثقافة الأردنية بمستوى ما لديها من مخزون وما يمكن ان توفره من حصاد ومعنى ذلك انه لا بد من التمديد لعام معان الثقافي ليتواصل العطاء فيها ومنها وانا اعرف اسماء من أبناء معان قدموا الكثير وما زالت مساهماتهم تدعو الاخرين ليقدموا فمعان غنية ليست بتاريخها وموقعها وثقافتها ومكونات هذه الثقافة وانما ببعض أبنائها فيها وخارجها ممن يستطيعون أن ينقلوا ثقافتها بشكل نوعي وان يجعلوا من تاريخها المضيء نصاً مقروءاً من لدن كل أبناء الوطن..
ما زال «سامر» معان يتقدم الفن الشعبي الأردني في الأغنية والدبكة وما زال يعكس تراث المكان وتأثيره وها هو يعاود الانطلاقة في أيام معان الثقافية ضمن برنامج مدينة الثقافة الأردنية فما زال في البرنامج شيء يقدم وعلى مثقفي العاصمة وكثير من المهتمين فيها ان يدركوا أن مكونات الثقافة الاردنية في جزء كبير منها تدين لمعان التاريخ والجغرافيا بنسبة كبيرة منها..
نحن بحاجة الى الاستثمار في الثقافة أكثر لان الثقافة والفن يعيدان صياغة الواقع بشكل أفضل ويجعلانه أكثر قبولا وحيوية وانسنة وتحضراً ولو كنا استثمرنا في الثقافة أكثر في المسرح والشعر والنحت والغناء والموسيقى والفن بشكل عام لكانت مخرجات السلوك عندنا مختلفة ولكنا أكثر حيوية وتقبلاً للآخر ولانفسنا وأكثر حرصاً على العطاء المشترك فالمجتمعات لا تبني بالعسكرة والانغلاق والتمسك بالتاريخ فقط وانما أيضاً بالانفتاح والشراكة والروح المدنية وترجمة التاريخ في الواقع ريادة وعبرة..
نحيي معان وهي تعبر عام الثقافة الاردنية ونقدر عطاءها وندعو لأن تكون نهايات العام الثقافي فيها هي الأجود وان يجري الانتباه الى ذلك لتعويض ما تأخر بداية العام وان تُفّعل كل المؤسسات الثقافية في معان وان نضمن لها الديمومة والتجدد.. ( الرأي)