«الثورة المضادة» تضرب بقسوة في «ماسبيرو»

تم نشره الثلاثاء 11 تشرين الأوّل / أكتوبر 2011 01:30 صباحاً
«الثورة المضادة» تضرب بقسوة في «ماسبيرو»
عريب الرنتاوي

للصفعة القاسية التي تعرضت لها ثورة 25 يناير المصرية المجيدة، سياقان...أحدهما محلي والآخر إقليمي...في السياق المحلي، تبدو الاشتباكات الدامية بين الجيش والأقباط و»الطرف الثالث» المجهول/المعلوم، نتاجاً لعوامل ثلاثة، أو يمكن أن تتوزع مسؤوليتها على أطراف ثلاثة، وإن ليس بنفس الحجم والدرجة...الجيش مسؤول عمّا حدث، وقد أخذ يتصرف كقوة كابحة للثورة ومطالبها الجذرية، وحافظة لما يمكن حفظه من فلول النظام القديم، ومن مصلحته وبعض بقايا النظام، أن يقدما الثورة بوصفها حالة دائمة من الفوضى، وطريق لا عودة فيه، إلى «الحرب الأهلية»

والأقباط مسؤولون...فمن بين كنائسهم وتياراتهم السياسية، انبثق تيار «أصولي متطرف»، لغته طائفية / انعزالية بامتياز، نشيط حركيا «جهادياً» إن جاز التعبير...مدعوم بالخارج ومستقوٍ به على الداخل...يكاد يضع أقباط مصر بخاصة ومسيحيي المشرق العربي على وجه العموم، خارج سياق المنطقة وحضارتها وتاريخها.

أما «الطرف الثالث» الذي يتحمل مسؤولية المذبحة، ربما بما يفوق مسؤولية الطرفين الأوليين...فهو خليط من جماعات «أصولية» متطرفة...إنها مدرسة تسبغ على نفسها لبوساً «سلفياً متشدداً»...تستهدف الأقباط والمسيحيين والصوفيين وغيرهم، دونما تمييز...لقد رأيناهم يحرقون الكنائس ويعتدون على المواطنين ويتطاولون على المقامات الصوفية...خطابهم تفتيتي، «دون مذهبي»، تكفيري، ضاقت به مصر بإسلامييها ومسيحييها، حتى أن مدارس سلفية عديدة، أعلنت البراءة منه والقطيعة معه.

في الحديث عن السياق الإقليمي، المفتوح بالطبع على السياق الدولي، للأحد الأسود في «ماسبيرو»...يمكن القول، أن «الطرف الثالث» هو الأكثر ارتباطاً بـ»معسكر الثورة المضادة» للربيع العربي، الذي يتنقل من عاصمة إلى أخرى، يضرب هنا ويزرع بذور الفتنة الكبرى هناك...معسكرٌ مدججٌ بالبترودولار والدعم الاستخباري و»فقه الظلام والكهوف»...هؤلاء جزء عضوي من معسكر الثورة المضادة، وذراعها العسكري/المليشياوي/ الشعبوي الأول والأقوى

أما الجيش والقوات المسلحة وبقايا النظام القديم، فهم ما زالوا يمثلون «الفريق الأولى بالرعاية» من قبل «الثورة المضادة» وعواصم الغرب عموماً، وفي المقدمة منها واشنطن، التي أرادت وما زالت تريد، إسقاط الديكتاتور وإبقاء الديكتاتورية، وما زالت تعوّل على تغيير من داخل النظام، يبقيه بعد أن يدخل عليه بعض التعديلات...فالنظام القديم هو الأقدر على حفظ موقع مصر في المنظمة الغربية، وهو الأحرص على سلامها المُذل مع إسرائيل، وهو الكفيل بإبقاء البوابات المصرية مشرعة أمام «الإملاءات الغربية» التي تتخذ أشكالاً ومسميات عدة.

سلوك هذا الفريق، ما زال محكوماً بالرغبة والحرص على إبقاء ما يمكن إبقاؤه من النظام القديم، ومن على قاعدة، أن ما لا يدرك كله، لا يترك جُلّه....هؤلاء لا يخطون خطوة واحدة للأمام، إلا إذا امتلأ ميدان التحرير عن بكرة أبيه بالمحتجين والمتظاهرين الغاضبين...هؤلاء ما انفكوا يبعثون بالرسائل المنفّرة عن الثورة المصرية والمحذّرة من الفوضى التي تسير ركابها....هؤلاء اطلقوا النار وقتلوا من قتلوا، بل أن دباباتهم داست المتظاهريين السلميين أمام «ماسبيرو» بالأمس، وفقاً لشهود عيان ثقاة، وأمام أعين الناس وعدسات الكاميرات، ومن دون خجل أو وجل.

أما الفريق الثالث، أقباط مصر، أو بعض تياراتهم من أجل الحقيقة والإنصاف...تربطهم بأكثر المدارس الكنسية الغربية تطرفاً صلات ووشائج وعلاقات قربى...يحتفظون مع اليمين المتطرف والمحافظين الجدد، بأعلى درجات الود والتنسيق والعمل المشترك...لا وظيفة لهم إلا «اللطم الدائم على الخدود» باسم مسيحيي مصر والمشرق، وبالنيابة عنهم...أما في فترات الاستراحة من اللطم المضني، فيتحولون إلى شتيمة وهجاء الحركات الإسلامية و»شيطنتها»...هؤلاء هم أيضاً «أصوليون متشددون»، خطابهم تفتيتي، وممارساتهم لا تختلف عن ممارسات المليشيات...هؤلاء يريدون أخذ البلاد والعباد، إلى أتون الحرب الأهلية.

ما أن تقع حادثة هنا أو هناك، ومن النوع الذي يمكن أن يحصل كل يوم، وفي كل مكان، حتى تراهم يخرجون في مسيرات استعراضية مدججة بالروح الطائفية والكراهية للآخر....هؤلاء لم تصلهم بعد، رسائل البطريرك الماروني المنفتحة على المشرق والعالم العربي، والأرجح أنهم لا يريدون استلامها.

في مناخات كهذه، لا يبدو غريباً أن يتحول حادث الاعتداء على كنيسة أسوان، إلى «شرارة تشعل سهلاً»....لا يبدو غريباً أن تتداعى التطورات والأحداث، بطريقة يصعب احتواؤها، خصوصا في ظل تفشي «فراغ القيادة في مصر»....لا يبدو غريباً بعد تسعة أشهر من الاندلاع المجيد للثورة المجيدة، أن تحافظ الثورة المضادة على كل هذه الروح المقاتلة الشرسة دفاعا عن امتيازاتها وانتصاراً لقديمها، حتى في ظل إدراك قادتها وعقولها، بأن المهمة التي هم بصددها، هي مهمة مستحيلة...وأنها أقرب لمحاولة «إعادة عقارب الساعة إلى الوراء».(الدستور)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات