وبشّر القاتل بالقتل

تم نشره السبت 22nd تشرين الأوّل / أكتوبر 2011 12:23 صباحاً
وبشّر القاتل بالقتل
عريب الرنتاوي

الزعماء العرب لا يتعلمون من تجارب غيرهم...وهم لا يتعلمون من تجاربهم كذلك...لا شيء يثنيهم عن الاستمساك بـ»الكرسي»...لا شيء أعز لديهم منه، حتى الولد وولد الولد، يمكن أن يكون «فدية» مقبولة، طالما أن الثمن هو البقاء على «سدة العرش»... أغلبهم منفصلون عن الواقع...هم لا ينتظرون لحظة كتلك التي انتهى أسلافهم...دولهم وأنظمتهم، لا تشبه دولاً وأنظمة غيرها...سوريا ليس مصر، واليمن ليست تونس، وليبيا ليست هذه ولا تلك...لكن في كل مرة، يتضح أن أوضاعهم أسوأ، ومصائرهم أصعب.

لم يتعظوا من «درس الحفرة» التي وجد الرئيس العراقي على فوهتها، طبيب أسنان أمريكي، يعبث بحلقه وجوفه...لم يتعظوا من «درس المنفى» الذي وجد زين العابدين بن علي نفسه غارقاً فيه، بعد أن «فهم» أخيراً، ما الذي يريده التونسيون... لم يتعظوا من «درس السرير» الذي وجد الرئيس المصري المصري محمد حسني مبارك نفسه مستقلياً فوقه، خلف قضبان المحكمة...وها هو «درس الجثة العارية» للعقيد الأشهر، تتنقل من ساحة إلى أخرى، ومن عدسة كاميرا إلى فلاش كاميرا أخرى، فهل من مستفيد ومتعظ؟.

لا يتعظون أبداً...بل أن بعضهم، يمتلك من «الجرأة» حد الزعم، بأنه كان من أصحاب الأيدي البيضاء التي نجحت في التخلص من هذا الديكتاتور أو ذاك...لكأنهم يتربعون على قمة «ديمقراطيات أنجلوساكسونية»....مع أن المراقب، وبقليل من التأمل، لن يُعييه التنبؤ بالمصائر الأكثر صعوبة لمن تبقى من الحكام الفاسدين والديكتاتوريين...ولو أخذنا بنظرية المتوالية، لوجدنا أن كل زعيم من الذين سقطوا، واجه تجربة أقسى ممن سبقه، كان الله في عون «مشاهدينا الكرام» وهم يتفحصون الصور المبثوثة من عواصم أخرى قادمة، تنتظر قطار التغيير ورياح التغيير وشمس الربيع العربي.

وبشّر القاتل بالقتل...هذا أول ما طرأ في خاطري وأنا أقرأ «SMS»، على موبايلي تعلمني بمقتل العقيد...ولم تفارق مخيلتي صور بعض الزعماء العرب، وهم يتابعون مثلي (مثلنا) الأنباء، وبالأخص الصور، المبثوثة على الهواء مباشرة من سرت ومصراتة وطرابلس الغرب...يكاد الفضول يقتلني لمعرفة ما يدور في رؤوس هؤلاء...هل يرون صورهم مكان صورة العقيد على سبيل المثال...هل يشمتون فيه أم يشفقون عليه...لا أدري بالضبط، ما الذي يدور في أذهانهم، ولكنني على يقين من شيء واحد: أن فرائص هؤلاء ترتعد، وأن الأرض تضيق عليهم بما رحبت، وأنهم سيقضون واحدة من أسوأ ليالي حكمهم غير السعيد، بانتظار الليلة الأسوأ، عندما تُسدل الستارة على الفصل الأخير من سنوات ظلمهم.

لا رؤساء سابقين في العالم العربي، إلا من رحم ربي من دوله وبلدانه...إما القصر أو القبر...لدينا الرئيس المخلوع والمحروق والمنفي...لدينا رؤساء معلقون على أعواد المشانق أو مثخنون بالرصاص والثقوب...لدينا رؤساء «مسحولون» في الشوارع، تتحول جثثهم إلى «مادة للعرض» في الساحات والأسواق، يلقي عليها من أراد، نظرة الاحتقار الأخيرة، فلا وداع يليق بهؤلاء إلا وداع الليبيين لديكتاتورهم ومجنونهم.

سقط العقيد، بعد 42 عاما من الجنون والعبث والقتل والإجرام...أسدل الستار على الفصل الأخير في هذه المسرحية السمجة...وها هي ليبيا تنفض عن أكتافها، كابوس القذافي وهذياناته الفكرية وجرائمه التي تقشعّر لها الأبدان...ها هو الشعب الليبي يلقي بجثة الديكتاتور في سلة قمامة التاريخ... ويؤسس لمرحلة جديدة في تاريخ ليبيا المعاصر.

لم تنته معاناة الليبيين..هي ستبدأ اليوم...المهمة ما زالت صعبة...ليبيا بحاجة لجهود جميع أبنائها المخلصين، لاستعادة وحدتها الترابية والوطنية، وإعادة بناء الدولة والمجتمع...ليبيا بحاجة لسنوات من إعادة البناء والإعمار...ليبيا بحاجة لكل ما يمكن أن تحتاجه الدولة المعاصرة.

ليبيا ستختبر اليوم، وبعد رحيل القذافي بساعات، نوايا «الأطلسي» والدول التي تقف وراءه....لقد جاءوا بتفويض لحماية المدنيين في زمن الحرب...ها هي الحرب تضع أوزارها...وعلى «الأطلسي» أن يحمل عصاه ويرحل...لا ينبغي لمهمة «الأطلسي» أن تستمر ليوم إضافي واحد...ليبيا لم تخرج من «دلف» الديكتاتورية إلى «مزراب» الاستعمار...ليبيا والليبيون، لهم الحق كله، في تقرير مصيرهم بأنفسهم، واجتراح نظامهم السياسي الذي يريدون، وإدارة ثرواتهم والانتفاع بها، بعيداً عن جشع الشركات متعددة الجنسيات، ليبيا اليوم، أكثر من أي وقت مضى، بحاجة لوقفة تضامن عربية صلبة مع أهلها وشعبها.

حمى الله ليبيا...عاشت ليبيا.
 
(الدستور)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات