عن «نهضة» تونس وانتخاباتها

تم نشره الخميس 27 تشرين الأوّل / أكتوبر 2011 12:53 صباحاً
عن «نهضة» تونس وانتخاباتها
عريب الرنتاوي

المفاجأة الأكبر في الانتخابات التونسية، تمثلت في النسبة العالية للإقبال على الاقتراع، في أول انتخابات تعددية، حرة ونزيهة، تشهدها البلاد إثر سقوط نظام زين العابدين بن علي...أما فوز الإسلاميين (النهضة) في الانتخابات، فلم تكن مفاجأة إلا لجهة حصول الحزب عل مقاعد أكثر بقليل مما كانت تعطيه له، استطلاعات الرأي...وهي فجوة يمكن فهمها على أية حال.

الحزب الفائز من دون منازع أو منافس، هو حزب النهضة...ومن حق هذا الحزب أن يُكلّفَ أولاً، وقبل غيره من الأحزاب الأخرى، بتشكيل الحكومة القادمة، ونتمنى أن تكون حكومة إجماع وطني تقود المرحلة الانتقالية، وتواصل تفكيك نظام الفساد والاستبداد، وإرساء قواعد نظام ديمقراطي – مدني في البلاد، وفي حال تعذر «الإجماع»، فلا أقل من حكومة ائتلافية، تقوم بمهامها في ظل رقابة صارمة من قبل «معارضة ديمقراطية» حقيقة في برلمان ذي صلاحيات، يشكل أساس الديمقراطية الناشئة وحاضنتها.

إن أي محاولة لقطع الطريق على الحزب الفائز، ستكون بلا شك، انقلاباً على الديمقراطية...يجب أن يعطى الحزب الفرصة لاختبار برنامجه وإدارته لشؤون البلاد والعباد...فإن أخفق في تشكيل الحكومة وبناء ائتلاف «أغلبي» يمكن بعد ذلك التفكير بتكليف الحزب الذي يليه من حيث عدد المقاعد في البرلمان...هكذا تكون اللعبة الديمقراطية...وهذا هو مغزى الانتخابات وهدفها...لقد حظي الحزب بتفويض جماهيري لا لبس فيه، ويجب احترام هذا التفويض، حتى لا تتكرر تجربة «الإنقاذ» في الجزائر، و»حماس» في فلسطين.

حزب النهضة، حزب إسلامي تونسي، ينتمي إلى أكثر مدارس «الإسلام السياسي» حداثة، وأوضحها من حيث تبنيه «خطابا مدنيا – ديمقراطيا»...ولقد أتيح لكاتب هذه السطور أن يطل على برنامج الحزب الانتخابي...وأحسب أنه من أكثر برامج «الإحزاب الإسلامية» تطوراً وانفتاحاً على قيم العصر وروحه...إنه الأقرب لتجربة «العدالة والتنمية» في تركيا والمغرب، وفي بعض المفاصل، يبدو الحزب أكثر تقدماً منها...ولطالما حرصت قيادة الحزب على توجيه رسائل الطمأنينة والاطمئنان، إلى الداخل والخارج، ومن حقه بعد كل هذا وذاك، أن يختبر نفسه في السلطة، بل من حق جمهوره العريض، أن يرى «التفويض» الذي منحه للحزب، وقد انتقل إلى برنامج عمل للحكومة القادمة...هذه هي الديمقراطية، من دون «لف ولا دوران».

وأحسب أننا في هذه البقعة من العالم، بحاجة لاختبار تجربة «الإسلاميين في السلطة»...أي بمعنى أننا بحاجة لاختبار حقيقي للنوايا والبرامج والأجندات، وبطريقة سلمية وعبر صناديق الاقتراع، وكنتيجة للانتقال السلسل والسلمي للسلطة...وليس أفضل من حزب النهضة، وفي تونس بالذات، منطلق ربيع العرب وأولى بشائره...تونس الدستور وحقوق المرأة والعلمانية في طبعتها العربية الأكثر وضوحاً، لأن يقدم «البروفة» الأولى لهذا الخيار أو الاختيار...وبخلاف ذلك، سيظل حوارنا مع الإسلاميين ناقصاً....من دون ذلك سنظل نتوجه صوب تركيا للتعلم من دروسها...تونس يمكن أن تنهض كشاهد على «الطريق العربي» نحو الديمقراطية، والذي سيظل حتى إشعار آخر، مصبوغاً باللون الإسلامي.

نريد للإسلاميين أن ينبذوا العنف والتكفير، لقد فعلوا...نريد لهم أن ينخرطوا في الحياة السياسية والعملية الديمقراطية وتداول السلطة، لقد فعلوا...نريد لهم احترام الآخر وصون التعددية ومرعاة لغة العصر ومفاهيمه وروحه، لقد فعلوا...لقد جاء الدور علينا لنقبل بهذه التحولات، وأن نخضعها للتجربة، وأن نحكم عليها عبر صناديق الاقتراع، وليس بأية وسائل إنقلابية أو تآمرية...دعوا المواطنين الذين جاءوا بالنهضة، أن يقرروا بأنفسهم، ومن دون فرض أو وصاية، ما إذا كانوا سيجددون له أم يسحبون الثقة منه، في اول انتخابات قادمة.

ثمة شكوك تساور الكثيرين حول «النوايا» و»الأجندات الخبيئة والخبيثة» للإسلاميين كما يقال ويتردد...دعونا لا نحكم على النوايا...دعونا نحكم على الممارسات والأفعال والبرامج قيد التنفيذ....من حق الجميع أن يقلق على مصائر الديمقراطية، هنا ينبغي أن ينصب الجهد لصون قواعد اللعبة الديمقراطية وتكريسها...بيد أن الديمقراطية تملي احترام نتائج صناديق الاقتراع، وضمان إجراء انتخابات حرة ونزيهة وشفافة ودورية...هذا ما ينبغي التأكد من أن «النهضة» سيلتزم به، قولاً واحداً، بالأفعال لا بالأقوال فحسب....والضمانة الأكيدة لحصول ذلك، تتمثل في تعزيز دور البرلمان والصحافة والاحزاب والنقابات والمجتمع المدني وتكريس حرية الرأي والتعبير بكل أشكالها، وجعلها منظومة قيمية «فوق دستورية»...الضمانة لذلك تتمثل وضع إسس صلبة لنظام سياسي، يحول دون عودة الاستبداد والفساد، تحت أي شكل وبأية ذريعة...ومثلما يبدو «النهضة» مطالباً بذلك اليوم، كونه حزب الأكثرية الفائز في الانتخابات، إلا أن هذه المهمة مطلوبة من الجميع من دون استثناء، ويجب أن تتصدر جداول أعمالهم وأولوياتهم...لا سيما وأن كثير من القوى والتيارات، غير الإسلامية، لم تظهر «ديمقراطية فائضة» حينما أتيحت لها الفرصة لتولي مقاليد الحكم في دولنا (بما فيها تونس)، وغالباً عبر طرق غير ديمقراطية.

أما الذين يرقبون المشهد التونسي في العواصم العربية، من التحق منها بربيع العربي ومن ينتظر، فليس عليها أن تقلق من الحدث التونسي....فما حدث في تونس، قد لا يتكرر في كثير من دول العربية، وقد يتكرر بصورة أكبر...المهم أن علينا احترام إرادة الناخب، والرهان على سلامة «الحس الجمعي» للمواطنين...والثقة بقدرة الشعوب على إنقاذ «ديمقراطيتها الناشئة»....والرهان على سعة أفق الحركات الإسلامية التي تدرك تمام الإدراك أن وصولها للسلطة أمر ممكن عبر صناديق الاقتراع، لكن احتفاظها بالسلطة، سيكون مستحيلاً، إن هي أدارت ظهرها لاحتياجات الناس، وغلبت المواقف والقوالب الجامدة على متطلبات إدارة الدولة الضاغطة، أو حتى إن هي إدارت ظهرها لصناديق الاقتراع، وقررت الاحتفاظ بالسلطة عنوة...هذا لم يعد خياراً أبداً لأي فريق من الأفرقاء، خصوصا في دول الانتقال السلمي إلى الديمقراطية، والتي تقف تونس في صدارتها....لنراهن على المستقبل، فهو دائماً مع الخيارات الطبيعية للشعوب...أليس هذا هو الدرس الأول لـ»ربيع العرب» ؟!.
(الدستور)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات