الحاج ابو حرام !!

تودِّع المسافرين الى الحج، وتتأثر لانك لست معهم، وقد ذهبت في سنين سابقة، فيبقى الحج، نوراً في القلب، نبدده احياناً، ونزيد عليه في مرات.
بعضنا تبقى حجته تاجاً مشرقاً على رأسه، وبعضنا ُيسلِّم حجته عند الحدود، مع ختم جواز السفر، ويدخل البلد دونها، آمناً مطمئناً!.
تستذكر حكايات الحج، واذ تقف عند القوافل المغادرة، فلا تسمع سوى التوصيات، هذه تقول لتلك لا تنسَ «الحرام» الذي طلبته منك، وذاك يمنح حاجاً خمسين ديناراً ويوصيه على البهارات والقهوة، وآخر يريد عشبة طبية، فتقرأ وجه الحاج المستاء الذي تحول الى متسوق ثقلت قدماه.
يأتي وزير اوقاف سابق، وينتقد الحجاج الاردنيين، في موسم حج سابق، ويقول لعشرات النسوة في المدينة المنورة، انهن متخلفات، والسبب رؤيته العشرات منهن، وقد عدن من السوق في اليوم الاول من الوصول يحملن على رؤوسهن عشرات الحرامات الاسبانية!.
كنت معه، وقد لمته على اسلوبه، فلم يسكت وقال: الناس يأتون الى الحج، ويزورون المدينة المنورة اولا، وبدلا من زيارة الرسول صلى الله عليه وسلم والصلاة في مسجده الشريف، يمضي اغلب الحجاج الوقت في الاسواق، وها انت ترى كل حاجة تحمل على رأسها عشرة حرامات!.
تجار المدينة ومكة ُيسمّون الحاج الاردني، بأبي حرام، ويربطون وصوله ببيع مرتفع للحرامات والاغطية، واذا سألتهم يقولون لك انه ندر ما يعود حاج اردني دون حرام او حرامين!.
تتمايل الحاجة العجوز من السكري والضغط، وفوق رأسها طن من الصوف، ولا يعرف الوزير ذاته ان بعض موظفي الاوقاف والصحة يمارسون ذات الفعلة، وقد رأيناهم فوق جبل عرفة، يأتون بسيارات اسعاف اردنية، تم تحميلها ببضائع من الحرامات الى غير ذلك!.
سيارة الاسعاف التي من المفترض ان تسعف الحاج الاردني فوق جبل عرفة، يتم اغراقها بالحرامات، قبيل عرفة، وغير ذلك من هدايا وكراتين موز، وكأن الدنيا في اخر ساعة.
يتم الانتقال بسيارة الاسعاف بهذه الحالة، الى مخيم الحجاج الاردنيين، خوفاً من سرقة الحرامات، وقد نقلنا ذات مرة زميل الى المستشفى بعد ان قرصته عقرب، ووضعناه فوق كومة حرامات صينية واسبانية، فأمضى وقته فوق ألمه، يتدحرج ويتقلب.
للقصة جذور نفسية تتعلق بمشاعر الخوف من البرد، ربما، لان بلادنا مثلجة وباردة وماطرة، هذا على الرغم من ان الدنيا تغيرت، والحرام الاسباني موجود في عمان، وكذلك سجادات الصلاة والمسابح الصينية، التي بدأ الحجاج يشترونها هنا، قبيل سفرهم للحج!.
هذه مفارقة ايضاً، لان الحاج يبدأ بالكذب فور وصوله من الحج، فيبدأ بتوزيع التمر والمسابح وسجادات الصلاة التي اشتراها من وسط البلد، باعتبارها من مكة المكرمة او المدينة، فتحتار ماذا تقول له، وهو يكذب في يومه الاول بعد التوبة الطازجة؟!.
ليس مثل الحجاج غير العرب، الذي يأتون من الاف الكيلومترات، ويمضون عمرهم، في توفير ثمن الحج، وهؤلاء اذ تراهم يدخلون عند سيدي رسول الله، او يطوفون حول الكعبة، تراهم في اخشع حالاتهم، يبكون ويشكون، يتظلمون ويستغفرون.
عادة تزيين البيوت عند عودة الحجاج، جميلة جداً، وأصلها تأسس على موروث كان يحتفل بعودة الحاج من رحلة شهور، وكان اهله لا يعرفون هل سيعود سالماً ام لا، واذ بقيت العادة، فلا تعرف لماذا نحتفل بعابد عائد، بقطع الشجر وتزيين مدخل البيت به؟!.
ليس من حرمان يشعر به الانسان، كما الذي تمنى الحج، ولم يحج، آلاف كل عام يذهبون الى الحدود من اجل الحصول على تأشيرة في اللحظات الاخيرة، والاف ينامون وقد ترقرقت عيونهم دمعاً، لانهم لم يحجوا هذا العام.
أيام «ذي الحجة» جميلة ومشرقة ومباركة، وصيامها له اجر عظيم، وبالذات يوم عرفة، واذ نتذكر فضل هذه الايام، نستذكر قيم الاسلام العظيمة من التسامح والغفران والعفو، والتخفيف عن الناس، والاحسان الى الفقير والمحتاج واليتيم.
كأنك معهم اذا تذكرت محتاجاً او يتيماً هذه الايام، وبحثت عن عائلة محتاجة لترفع فقرها، وتحسن الى اطفالها على وجه العيد، وهي قربات عظيمة، تجعل روحك طائفة مع الطائفين، وقلبك يغرد قائلا «لبيك اللهم لبيك».
الا ليتنا معهم، نغسل ارواحنا من كل هذا التعب!.
(الدستور)