من غزة مع الحب
انها قمة المفارقات في زمن لم يعد للرمزية فيه من دلالة، ولم يبق هناك ما يدهشنا من غزة حيث تفجر الجرح ولم يلتأم وحيث شعب الخيام والانفاق والحصار والمقاومة، خرجت آلاف الاطنان من الورود الحمراء بتصريح رسمي لا يمنح للجرحى والعالقين والمشردين والساعين لكشف جرائم الحرب، الى هولندة ومنها الى العالم الذي احتفل بعيد الحب واسرائيل التي لا تقيم وزنا للقوانين والمواثيق والقرارات الدولية، تجاوبت مع ضغوط الاوروبيين فسمحت وبصورة مؤقتة لزارعي الورد في غزة بتصدير محصولهم النفيس عبر اراضيها وموانئها.
وبهذا علق الحصار شكليا ليوم او يومين لكي يتسنى للمحبين والعاشقين ان يتبادلوا فيما بينهم ورود غزة المضرجة باللون الأحمر الذي يراه الفلسطينيون كل يوم وليس منهم من يرى فيه رمزا للحب أوالوله نها رسالة غزة الى العالم الذي يحتفل باعياد الحب بعيدا عن واقع الفجيعة الذي يعيشه من زرع وقطف وغلف تلك الورود. ومن هولندة حيث تطير ورود غزة الى مختلف بقاع العالم تضيع الرسالة ويغيب المرسل ، وعندما تضم حسناوات اوروبا تلك الورود الخارجة من كابوس الموت الى صدورهن فانهن لن يشعرن بذلك الاسى القابع في مخيمات اللاجئين، ولن يسمعن آهات من ثكل ويتم وانين من جرح لن تستطيع ورود غزة ان تنقل كل ذلك وعندما تسكن وردة غزية مزهرية رشيقة في شقة انيقة فربما انها ستذبل سريعا خجلا من كل هذا الحب وذلك الحنان.
الخارجون من غزة المحاصرة اذن هي الورود التي نبتت في ارض جريحة والناجون الذين يرضى المحتل باصدار تصاريح لهم ليسوا بشرا والذين يتبادلون الانخاب في عيد الحب ويبحثون عن تلك الوردة الحمراء في محال بيع الزهور لن يعرفوا القصة الكاملة ولا يهمهم ان يعرفوها ، واهل غزة الذين ارسلوا ورودهم الى العالم سينتظرون الرد طويلا وقد لا يأتي.
ترى هل اعلن باعة الورد في اوروبا ان تمائم الحب التي يروجونها في عيد الفالنتاين قد اتت من غزة؟ لن يدرك الكثيرون من العشاق قيمة هداياهم الحقيقية ومعناها ولن تعرف الحسناوات أي ثمن كلف كل هذا الحب؛ بأن دما وعرقا وصبرا وجوعا وحرمانا رعى ورودهن الحمراء ستكون ورود غزة حاضرة على طاولات في مقاه عامرة ومطاعم فاخرة وسينظر العاشقون اليها بشغف وامتلاء ويتبادلون عهود الحب وستشفق الورود على اصحابها الجدد.
هناك في ارض غزة موت وحياة، بشاعة وجمال، بدايات ونهايات. هناك من يزرع الورد كي يحتفي العالم بنفسه، وحتى تكتمل طقوس الحب لكن هناك احتلال وحصار، اسى وحرمان، جوع وكبرياء ، قصة غزة تختزلها ورودها التي كسرت الحصار وسافرت الى عواصم متخمة ، ورود غزة ردت على ضيم العالم فارسلت باقات ورد باسم الحب، فكيف تدهشنا المفارقات بعد كل هذا؟
الدستور