حل الجيوش وبيارق الحماية الدولية

عندما استشعرت الدول الاوروبية خطر القوة المصرية الصاعدة وتوحيدها مصر والشام تحت سلطة محمد علي في القرن التاسع عشر, توحدت ضد هذه القوة ودمرتها وكان اول قرار لها حل الجيش والاكتفاء بوحدات أمنية ..
وتكرر حل الجيش المصري مرتين في العقود الاخيرة من القرن التاسع عشر, الاولى بقرار من الخديوي اسماعيل وبطلب بريطاني, والثانية بعد معركة التل الكبير التي تمكن الاستعمار البريطاني فيها من هزيمة الوطنيين بقيادة الضابط احمد عرابي.
اما في المشرق, فكان اول حل للجيوش العربية, هو قرار الاستعمار الفرنسي بقيادة غورو بحل الجيش السوري بعد معركة ميسلون ,1920 وهو ما تكرر مع العراق بعد العدوان عليه عام ,2003 وما يراد اليوم للجيش السوري من مذبحة اطلسية - تركية تحت شعار الحماية الدولية للمدنيين والحظر الجوي, كما لاحظ الصحافي الكبير محمد حسنين هيكل.
اما لماذا اهتمام قوى الاستعمار المختلفة, القديم والاطلسي بحل الجيوش العربية وتصفيتها فلا يعود, فقط, للدور الوطني لهذه الجيوش, بل لاسباب اخرى, ايضا, في مقدمتها الارتباط الشديد بين الدولة والجيش, ودور الجيش كناظم مركزي لمجاميع قبلية وطائفية غير مندمجة .. فالجيش مكون اساسي للدولة العربية الشرقية وصمام أمان للوحدة الاجتماعية, بل انه اهم من المؤسسات المدنية, الحكومية والاهلية الاخرى في التعبير عن هذه الوحدة وليس بلا معنى مثلا ان الدولة المصرية الحديثة منذ محمد علي تشكلت حول البُنية التحديثية للجيش كما يلاحظ في كتابات الطهطاوي "اسلحة الهندسة والبحرية وغيرها".
ان هذه الحقائق المرتبطة ايضا بعلم الاجتماع السياسي واضحة كل الوضوح في عقل الدوائر الاستعمارية واليهودية العالمية, مما يفسر العلاقة الجدلية عندها بين سيناريوهات تحطيم الدول وتمزيقها واعادة تشكيلها كفدراليات طائفية تحت سيطرتها, وبين تحطيم الجيوش وحلها ..
وبهذا المعنى, فلا يمكن النظر الى دعوات الحماية الدولية للمدنيين وفرض حظر جوي على سورية إلا من زاوية توفير الغطاء لمذبحة اطلسية تركية تجهز على الجيش السوري مقدمة لتفكيك الدولة السورية, وليس نظام الاسد كما تقول, واعادة انتاج سورية كفدرالية طائفية مما يذكر بانذار غورو الفرنسي 1920 وتحطيم الدولة السورية وتشكيلها الفدرالي الطائفي .. ومما يلفت الانتباه هنا ايضا العلاقة بين دعوات الحماية الدولية وبين علم الحماية والانتداب الفرنسي الذي يرفعه بعض المتظاهرين "العلم الذي تتوسطه ثلاث نجمات حمراء" وبين ما جاء في تقرير معهد واشنطن "اللوبي اليهودي" وتقرير الامريكي - اليهودي, ساتلوف "الطريق الى دمشق" عام 2005 حيث دعا التقريران الى خلق ظروف تؤدي الى اعادة هيكلة الجيش السوري في اطار ترتيبات اقليمية مع اسرائيل.
(العرب اليوم)