الآثار الأردنية في خطر

من أعظم النكبات التي تعرض لها الوطن الأردني نكبة الآثار. والنكبات الأردنية كثيرة وعديدة يعرف الشعب الأردني بعضها وبعضها الآخر مخفي, وما خفي أعظم, ومن جملة هذه المصائب تلك الجريمة التي تم اتخاذ قرار بشأنها في آخر جلسة لمجلس الوزراء في عهد الحكومة السابقة, وينص هذا القرار السوداوي المظلم على تحويل الأماكن الأثرية الى أماكن سياحية.
كنا نظن أن عملية البيع غير المسؤول لأصول الدولة الأردنية, ومؤسساتها الرابحة, وبيع الموانئ والشواطئ وأراضي الخزينة قد توقفت بفعل الضجة الشعبية التي تملأ الساحات والشوارع, وبفعل انكشاف الفساد وفضحه ومتابعته, وبفعل ثورة النهوض العربي المشتعلة في هشيم الأنظمة المستبدة والفاسدة, ولكن ظننا قد خاب, عندما خرجت علينا الصحافة الأردنية بكشف مجموعة من القرارات الكبيرة التي تم اتخاذها في جلسة الحكومة الأخيرة في الوقت الضائع, ومن جملتها هذا القرار المنحوس.
وللعلم تتعرض الآثار الأردنية منذ فترة طويلة لعملية سطو منظم وبيع في السوق السوداء بإشراف أصحاب النفوذ, فهناك إحصائية تقول أن قائمة الآثار الأردنية المسروقة التي تم إحصاؤها ومعرفتها بالقطعة تصل الى (70) ألف قطعة, موجودة في المتاحف الغربية ( والإسرائيلية )!.
المصيبة التي لا تخطر على بال الأردنيين, أن هذا القرار المشؤوم يجعل الأماكن الأثرية قابلة للبيع, بمعنى آخر يمكن أن يستيقظ الأردنيون يوماً وقد وجدوا (البتراء) مباعة, أو أم قيس أو المدرج الروماني في جرش أو في عمان, أو بيع القلاع والقصور الأمويّة, لتصبح ملكاً لتجار " إسرائيليين " أو غربيين أو ما شابه..
ربما يقول بعض الليبراليين المتغربين الذين ينتمون الى الأردن شكلاً ومصلحة هذا شيء طبيعي! ومعمول به في بعض دول العالم. لكننا نقول لكل من يفكر بهذه الطريقة انه ليس أردنياً من يفكر ببيع شيء من تراب الأردن وآثاره, وليس أردنياً من يخطر على باله التخلي عن شيء من ممتلكات الدولة وأصولها, ويجب على الشعب الأردني أن يهب هبة رجل واحد للحفاظ على تراب الأردن وآثاره ومؤسساته ومياهه وشواطئه, ويجب على الحكومة أن تقدم الضمانات لمنع تكرار هذه الحوادث بعد أن تسترجع كل ما تم نهبه وبيعه في سوق النخاسة.
الجريمة الكبرى تتجلى في ملامح المخطط الماكر, الذي كان يقضي بتمرير هذه الخطوة الخطيرة المفجعة من خلال مرحلة التغيير الحكومي, حيث تكون الجماهير مشغولة بشأن تشكيل الحكومة ومجلس الأعيان, وان يتم تلبيس هذه الجريمة للحكومة المقالة التي تم تلبيسها أشياء كثيرة, ولذلك فان على رئيس الحكومة السابق ( معروف البخيت ) أن يوضح للشعب الأردني ملابسات هذا القرار الخطير, ويجب على رئيس الحكومة الحالي أن يتابع هذه المسألة ليقف على حقيقة هذا المخطط ورجاله, لأنه ربما يكون الخيط متصلاً ببعض رجال وزارته.
ولذلك نحن نقول لرئيس الحكومة ولكل رجالات الدولة انه من حق الشعب الأردني عليهم أن يكشفوا لهم الحقيقة واضحة وجلية, وان يتحملوا المسؤولية عن هذه التوجيهات وهذه الأفكار, وان يخرجوا الى الإعلام, لتوضيح ملابسات هذه الجريمة.
إن هؤلاء الذين يتجرأون على حبل هذه المخططات الجهنمية في غمرة ثورة الشعب الأردني والشعوب العربية للإصلاح الجذري الشامل, إنما يشكلون عقبة كؤود أمام الإصلاح, ويضعون علامات استفهام كبرى على جدية المسيرة الرسمية نحو الإصلاح الحقيقي, فهؤلاء يجب كشفهم إلى الشعب الأردني. (العرب اليوم)