الطبقة الوسطى بين الاسلمة والعلمنة
تم نشره الجمعة 18 تشرين الثّاني / نوفمبر 2011 12:53 صباحاً

محمد ابو رمان
بين يديّ ثلاثة كتب أنهيت قراءتها خلال الأسابيع الماضية، أحسب أنها جميعاً من تلك التي تستحق القراءة والاطلاع. تبدو متفرقة في الموضوعات المختلفة التي تطرقها، لكنها تتقاطع في مربعات أساسية، وتحديداً عند الحديث عن الطبقة الوسطى ودورها في التغيير والثورة.
الكتاب الأول هو للأميركي من أصل إيراني ولي نصر، بعنوان "صعود قوى الثروة: نهضة الطبقة الوسطى الجديدة في العالم الإسلامي وانعكاساتها على عالمنا". وهو في تقديري من أهم الكتب التي تمسك بمفاتيح ذهبية لقراءة التحولات التي تحدث في العالم العربي والإسلامي، والمسار الأفضل للحصول على مستقبل مزدهر في العالم العربي والإسلامي.
يطوف ولي نصر في كتابه بين عواصم ومدن عربية وإسلامية عديدة، يشبّك بين الأبعاد الاقتصادية والسياسية وبين الجغرافيا والتاريخ، بلغة رائعة سلسلة ممتعة جداً، لكنّها محمّلة بكم هائل من المعلومات والملاحظات والاستنتاجات الرائعة.
يبدأ المؤلف بدبي، ويذهب باتجاه إيران والهند وباكستان، ويمر بدول عربية، قبل أن يدافع بصورة كبيرة عن النموذج التركي الجديد، مركّزاً على فرضية رئيسة في هذه الأمثلة جميعاً تتمثل في أنّ مفتاح التطور والتغيير الاقتصادي والسياسي يكمن بوجود طبقة وسطى- برجوازية مرتبطة بالقطاع الخاص، بدرجة رئيسة، منخرطة في العولمة، مع عدم وجود ممانعة بإمساكها بقيمها الدينية المحافظة، أي بعبارة مختصرة: طبقة وسطى متدينة معولمة.
يتحدّث نصر بصورة منفتحة أكثر على الروح الإسلامية للمجتمعات العربية والمسلمة، وعن فشل محاولات فرض العلمانية بالقوة التي بدأت مع كمال أتاتورك في تركيا، وحاول السير على طريقه عدد من حكام إيران وباكستان، وبعض الدول العربية، لكنهم جميعاً فشلوا. وفي الوقت نفسه لم تساعد الطبقة الوسطى التي ولدت في رحم الدولة وارتبطت بمخططاتها الاقتصادية على قيادة المجتمعات نحو القوة الاقتصادية والإصلاح السياسي، فيما تبدو الطبقة الوسطى التركية الجديدة المحافظة اليوم التي ولدت في الأناضول ومن المشاريع الصغيرة، قبل أن تتحول إلى العمل عابر الحدود، بمثابة "فرس الرهان" في تغيير الأوضاع السياسية والاقتصادية.
على الجهة المقابلة لكتاب نصر، فإنّ كتاب "المؤمن الصادق: أفكار حول طبيعة الحركات الجماهيرية" لإيريك هوفر، الذي قام بترجمته د. غازي القصيبي، يقدّم تصوراً للأسباب التي تدفع الناس إلى الانخراط في حركات جماهيرية، ويركز على المدخل السيكولوجي، ويضعه في إطار الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية.<br />وجه الربط بين هذا الكتاب وكتاب نصر أنّ هوفر يركز على دور "الإحباط" بصورة أساسية في توليد الثورات. وهنا يبدو تأثير انهيار الطبقة الوسطى أو من يسميهم بـ"محدثي الفقر" في الحركات الجماهيرية والاحتجاجات والثورات، فهم أكثر من يشعر بالحرمان الاجتماعي والإحباط. ويرى أنّ "محدثي الفقر" كانوا المسؤولين عن نجاح الثورة الإنجليزية في القرن السابع عشر. وفي ألمانيا وإيطاليا تحول محدثو الفقر المنحدرون من الطبقة الوسطى إلى دعاة للثورتين النازية والفاشية.
أمّا الكتاب الثالث، فهو "سورية الاقتراع أم الرصاص: الديمقراطية والإسلامية والعلمانية في المشرق" لأستاذ ألماني هو كارستين ويلاند، الذي أقام أعواماً طويلة في سورية، وألف هذا الكتاب قبل الثورة الحالية بأعوام، لكنه كان يشير في كتابه إلى أنّ الأمور لا يمكن أن تستمر على الوضع القائم. والكتاب يتحدث عن الطبقة الوسطى التي ولدت من رحم الخصخصة الجديدة، وعن قضايا العلمنة والإسلام والمعارضة، وفيه قراءة جميلة معمقة للمجتمع السوري وتحولاته.(الغد)
الكتاب الأول هو للأميركي من أصل إيراني ولي نصر، بعنوان "صعود قوى الثروة: نهضة الطبقة الوسطى الجديدة في العالم الإسلامي وانعكاساتها على عالمنا". وهو في تقديري من أهم الكتب التي تمسك بمفاتيح ذهبية لقراءة التحولات التي تحدث في العالم العربي والإسلامي، والمسار الأفضل للحصول على مستقبل مزدهر في العالم العربي والإسلامي.
يطوف ولي نصر في كتابه بين عواصم ومدن عربية وإسلامية عديدة، يشبّك بين الأبعاد الاقتصادية والسياسية وبين الجغرافيا والتاريخ، بلغة رائعة سلسلة ممتعة جداً، لكنّها محمّلة بكم هائل من المعلومات والملاحظات والاستنتاجات الرائعة.
يبدأ المؤلف بدبي، ويذهب باتجاه إيران والهند وباكستان، ويمر بدول عربية، قبل أن يدافع بصورة كبيرة عن النموذج التركي الجديد، مركّزاً على فرضية رئيسة في هذه الأمثلة جميعاً تتمثل في أنّ مفتاح التطور والتغيير الاقتصادي والسياسي يكمن بوجود طبقة وسطى- برجوازية مرتبطة بالقطاع الخاص، بدرجة رئيسة، منخرطة في العولمة، مع عدم وجود ممانعة بإمساكها بقيمها الدينية المحافظة، أي بعبارة مختصرة: طبقة وسطى متدينة معولمة.
يتحدّث نصر بصورة منفتحة أكثر على الروح الإسلامية للمجتمعات العربية والمسلمة، وعن فشل محاولات فرض العلمانية بالقوة التي بدأت مع كمال أتاتورك في تركيا، وحاول السير على طريقه عدد من حكام إيران وباكستان، وبعض الدول العربية، لكنهم جميعاً فشلوا. وفي الوقت نفسه لم تساعد الطبقة الوسطى التي ولدت في رحم الدولة وارتبطت بمخططاتها الاقتصادية على قيادة المجتمعات نحو القوة الاقتصادية والإصلاح السياسي، فيما تبدو الطبقة الوسطى التركية الجديدة المحافظة اليوم التي ولدت في الأناضول ومن المشاريع الصغيرة، قبل أن تتحول إلى العمل عابر الحدود، بمثابة "فرس الرهان" في تغيير الأوضاع السياسية والاقتصادية.
على الجهة المقابلة لكتاب نصر، فإنّ كتاب "المؤمن الصادق: أفكار حول طبيعة الحركات الجماهيرية" لإيريك هوفر، الذي قام بترجمته د. غازي القصيبي، يقدّم تصوراً للأسباب التي تدفع الناس إلى الانخراط في حركات جماهيرية، ويركز على المدخل السيكولوجي، ويضعه في إطار الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية.<br />وجه الربط بين هذا الكتاب وكتاب نصر أنّ هوفر يركز على دور "الإحباط" بصورة أساسية في توليد الثورات. وهنا يبدو تأثير انهيار الطبقة الوسطى أو من يسميهم بـ"محدثي الفقر" في الحركات الجماهيرية والاحتجاجات والثورات، فهم أكثر من يشعر بالحرمان الاجتماعي والإحباط. ويرى أنّ "محدثي الفقر" كانوا المسؤولين عن نجاح الثورة الإنجليزية في القرن السابع عشر. وفي ألمانيا وإيطاليا تحول محدثو الفقر المنحدرون من الطبقة الوسطى إلى دعاة للثورتين النازية والفاشية.
أمّا الكتاب الثالث، فهو "سورية الاقتراع أم الرصاص: الديمقراطية والإسلامية والعلمانية في المشرق" لأستاذ ألماني هو كارستين ويلاند، الذي أقام أعواماً طويلة في سورية، وألف هذا الكتاب قبل الثورة الحالية بأعوام، لكنه كان يشير في كتابه إلى أنّ الأمور لا يمكن أن تستمر على الوضع القائم. والكتاب يتحدث عن الطبقة الوسطى التي ولدت من رحم الخصخصة الجديدة، وعن قضايا العلمنة والإسلام والمعارضة، وفيه قراءة جميلة معمقة للمجتمع السوري وتحولاته.(الغد)