ثقافة الصفقات

تم نشره الجمعة 25 تشرين الثّاني / نوفمبر 2011 12:38 صباحاً
ثقافة الصفقات
د. رحيّل غرايبة

في كلّ جلسة حواريّة, وفي كل مقابلة صحافية, وفي كل صيوان عزاء, وفي كل مناسبة اجتماعيّة, يمطّ أحدهم رقبته طويلاً يبحث عن مكانٍ مناسب للرؤية, ويوفر الطمأنينة لوصول التساؤل المعدّ له سلفاً, مصاغا بقليل من التهذيب ومصحوبا بنصف ابتسامة صفراوية تفوح منها رائحة خبث سياسي ممزوجة بمظهر العارف العليم القادر على التحليل السياسي ومعظم الأردنيين محللون سياسيون بارعون وكلّ أردني مشروع محلل سياسي مستقبلي لأنّها لا تحتاج إلى شهادة أو دراسة, ويكون التساؤل: صحيح هل هناك صفقة بينكم وبين الحكومة?! يا أبو فلان...

طبعاً تنهال التحليلات من كلّ حدبٍ وصوب على وجود الصفقة ومؤشراتها ودلالاتها, ويصاب الناس بحالة كرم حاتمي بلا حدود, إزاء التبرع بمعلومات كثيرة وعديدة ومعظمها سرّي ليس للنشر, ويتمّ التأكيد على أنّها تمّ سماعها في جلسات ضيقة مع كبار المسؤولين, أو مصادر حسنة الإطّلاع وتمتاز بعلاقاتها العديدة والمتشابكة.

لا طعم للجلسات الحواريّة أو المقابلات الصحافية, إذا لم يرتكز الحديث على فرضيّة "الصفقة", وتصبح جلسة العزاء مملّة إذا لم يتبرع أحد الخبثاء بإثارة موضوع "الصفقة" وتجلياتها وآثارها وأطرافها من أجل استثمار زيارة إحدى الشخصيات المعروفة, وتزويد مئات المواقع الإلكترونية التي تتنافس في الحصول على رائحة معلومة سياسية تحظى بالسبق الصحافي, والنقد الجريء المتميّز!!.

إذا كان هذا ينطبق على الجلسات العامّة والعفويّة, فكيف إذن حال التحليلات السياسيّة والمقالات الصحافية الدوريّة للكتّاب المعروفين, الذين يقعون تحت وطء مطالبة دائمة وملحة من القرّاء بالإتيان بالجديد, وتزويد القرّاء بمعلومات لم يتطرّق إليها كاتبٌ آخر, ولذلك يلجأ كثير من الكتّاب خاصّة أولئك الذين يحظون بشعبيّة ما أو لهم جمهورٌ ثابت من القراء, إلى حبك المؤامرات وتوقّع الصفقات, ولكن على مستويات أعلى وأوسع تتناول الوضع الإقليمي والدولي, ويصبح الكاتب يكتب وهو يتخيّل نفسه يجلس مع كبار المسؤولين الأمريكان, وأركان وزارة الخارجية للاتحاد الأوروبي, ويتنقل في ردهات مقر حلف الناتو من غرفة إلى غرفة ومن مسؤول إلى مسؤول; ليطّلع على المخططات والمؤامرات الكبيرة التي تحبك, ويهزّ رأسه وقد اطّلع على مضمون الصفقات الكثيرة والعديدة التي تشكل صيداً ثميناً, سوف يمتع بها قراء العالم الثالث.

هؤلاء الكتاب الذين تعلموا فن التحليل السياسي من خلال التاريخ الحزبي العريق الذي يمثل أرشيفاً غنيّاً للمصطلحات الكبيرة, والعبارات المنسوبة لشخصيات عالمية لمعت في ثورات شعبية سابقة في مختلف أصقاع الكرة الأرضية.

ولذلك لا تجد مقالة إلاّ وقد ارتكزت على مؤامرة دولية, أو صفقة ماكرة مع الأطراف المؤثرة , ثم يتفضل علينا هؤلاء الكتاب بتوزيع النصائح, وتدبيج التخديرات, وصياغة التوصيات وكأنهم أنبياء الديمقراطية في العصر الحاضر, أو أنصاف آلهة تقوم وظيفتهم على حراسة قيم العلمانية والديمقراطية, وتقطر أظافرهم بالحرية والعدالة والنزاهة.

لقد أصبحت "الصفقة" ثقافة سائدة تصوغ عقليات التحليل السياسي المعاصر, وتصنع فنّاً جديداً. تصلح للارتزاق في زمن التقاعد المبكر.(العرب اليوم)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات