عصر اليمين المسيحي والاسلامي

لم يعد ما قاله غوندر فرانك في »تطور التخلف« وتابعه المفكر اليساري اللبناني مهدي عامل, مقتصرا على جنوب العالم, بل ان ماركس في كتابه »المسألة اليهودية« قد لاحظه مبكرا في أعتى الرأسماليات العالمية.
ففي ذروة ازمة هذه الرأسمالية تستعيد تأويلات فاشية من التراث الديني ..
وليس بلا معنى - اليوم ومع تفاقم ازمات النظام الرأسمالي في مراكزه ومتروبولاته الدولية وفي اطرافه من البلدان التابعة .. ازدهار هذه التأويلات مجددا .. فبدلا من ذهاب الجمهور في اوروبا الى صناديق الاقتراع لانتخاب اليسار الراديكالي هربا من احزاب الأممية الثانية الماسونية الفاسدة الى اليمين المسيحي الذي أسس لمناخات الحرب العالمية الاولى والثانية ودفع النازية والفاشية الى السلطة - فهذا ما شهدته اليونان وايطاليا وبريطانيا واسبانيا والبرتغال والحبل على الجرار وهذا ما تشهده الولايات المتحدة الامريكية ايضا ...
ويلاحظ فيها جميعا استعادة الاساليب الوحشية في قمع المظاهرات العمالية والطلابية وهو ما يعني انه ليس صحيحا ان »الليبرالية الناعمة« هي سيدة الاحكام هذه الايام بل الليبرالية الرأسمالية من دون أقنعة.
هذا عن الشمال, اما جنوب العالم فان الاتراك بدلا من ان يهربوا من حزب الشعب واليمين المتأمرك الى اليسار الراديكالي اختاروا اسلاما برتقاليا يؤمن لهم نزعات التوسع العثماني جنوبا وشرقا, وكان الايرانيون قد سبقوهم الى اسلام خاص بهم .. واليوم بدلا من ان يبحث العرب عن خيارات شعبية راديكالية بديلة عن انظمة الفساد والاستبداد والتبعية والمزارع العائلية فان تأويلات اسلامية هي التي تسيطر عليهم, ومن الواضح انهم دخلوا زمنا من هذا الطراز الذي لم يتقاطع بمحض المصادفة مع زمن اليمين المسيحي في العواصم الرأسمالية. فالرأسمالية العالمية تحتفظ بتقاليد فعالة على هذا النحو كلما داهمتها الازمات.
وبالمحصلة, فليس على الديمقراطيين والوطنيين والقوميين الراديكاليين ان ينتظروا مناخات ديمقراطية حقيقية بديلة لانظمة الفساد والإستبداد لا سيما ان الحالة العربية لم تنقل المجاميع الطائفية والجهوية الى صيغة ارقى من »الاهالي والجمهور« في احسن الاحوال. فالشعب كمفهوم مدني لا يتحقق إلا في اطار مجتمع مدني قومي, الامر الذي جوبه بالتدخل الاستعماري في كل مرة, من تجربة محمد علي الى تجربة جمال عبد الناصر.
وكانت قوى اليمين المسيحي في الشمال واليمين الاسلامي في الجنوب بالمرصاد لهذه التجربة .. وهو ما يعني ان خطاب المواجهة الحقيقي يستدعي التركيز على ثقافة المقاومة والمشروع القومي ورؤية الديمقراطية داخل هذه الثقافة وهذا المشروع وليس العكس ...
(العرب اليوم)