الملك حمد يمسك بالتشخيص!

شخّص ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة الحالة البحرينية بشكل علمي وموضوعي حين وافق على تقرير اللجنة الدولية المستقلة التي تقودها شخصية مصرية تحمل الجنسية الامريكية هي الدكتور محمود بسيوني ..لتكون هذه الروشيته مدخلاً للعلاج..
أراد الملك أن يلاقي شعبه في منتصف الطريق وأن يكون على مسافة واحدة من كل الالوان والاطياف السياسية البحرينية سواء السنة أو الشيعة..
الملك أراد أن يكون للجميع وأن يكون للموالاة والمعارضة وهذه الصيغة الحضارية التي جاء التقرير ليعكسها من خلال ترحيب الملك والعمل على انفاذه هي التي ستخرج البحرين من حالتها الى حالة أخرى تشعر فيها كل الاطراف بالانصاف والذهاب الى بناء الدولة المدنية التي تذيب التأزيم..
ظلت العقدة عند الشيعة انهم لا يحكمون وان تعبيراتهم في الحكم ليست كافية وانهم مهمشون وهذا الاحساس ليس جديداً وانما هو احساس قديم له ابعاد ثقافية وتراثية يتشربها الشيعة من أدبياتهم الممتدة في التاريخ والمتخطية لجغرافية البحرين..ولذا فإنهم يبحثون غالباً عن مرجعيات يسحبون أعمالهم في المعارضة اليها..والخطورة أن الاجيال البحرينية الطالعة وخاصة المنتمية الى الطائفة الشيعية الكريمة لم يدرك أكثرها أن المرجعية في طهران وهي هناك حاكمة لديها مشاكل كثيرة في التعامل مع الآخر ومع الاقليات وحتى مع الفكر الشيعي الوسطي ..فكر الجعفرية أو الاثني عشرية حين يقود تيار ولاية الفقيه الحكم ويقرر المتطرفون في طهران شكل ذلك..وهذا التيار يقابله في العالم العربي تيار سني أيضاً أبعد عن الوسطية وأقرب الى الوان أخرى من السلفية ..لا يجوز أن يشكل مرجعية أهل السنة في البحرين أو أن يجري الانتصار بالتدخل لطرف دون الآخر..
الملك حمد يفتح نموذجاً جديداً لدولة مدنية ظلت نواتها موجودة منذ الاستقلال وظلت تغذيها أحزاب مدنية وعلمانية ونقابات وتنظيمات وجمعيات عديدة مختلفة ولكنها نتاج استقطابات سياسية خارجية وداخلية لم تقو على تقوية جذورها في دولة مدنية تمنع الاندفاعات الطائفية وأعمال العنف التي تختبيء وراء اصلاح سياسي تريده الشيعة وترفضه السنة لأن الاجندات مختلفة والبرامج متنافرة والخوف يدفع الاطراف للانكماش وسوء الظن والتأزيم..
الملك حمد وهو يقبل التقرير الذي يوزع المسؤولية فيما حدث في البحرين على كل الاطراف انما يضع نموذجاً جديداً ويقوم بمحاولة صادقة لانقاذ بلده ووضعه على المسار الصحيح..والمأمول الآن بعد أن هدأت نفوس الاغلبية من كل الشعب البحريني ليلتقوا على كلمة سواء أن تشعر الاغلبية الشيعية انها جزء من شعب أصيل وان لها الحق في ان تحاسب ليس الطرف السني الذي تقول انه ارتكب أعمال عنف (قال التقرير انها فردية وارتجالية) ضدها وانما الطرف المتطرف في صفوفها والذي اندفع ليقود العقلاء ويذهب برشدهم..
لا ينفع اي من اللونين ان يحسم المعركة غير الضرورية لصالحه..فلا هذا يمكن أن يكون وحده ولا هذا..فالشيعة لن تحكم البحرين في محيط لا يقبل والسنة لن تستطيع ابقاء الشيعة في البحرين في نفس الاطار الذي يتطلع فيه لمرجعيات خارجية خطيرة او الاستقواء بما هو ليس بحرينيا أو وطنيا..
الملك يمسك العصا من النصف لا ليستعملها ولكن ليزن بها الحالة ويحولها الى ميزان يجعل الكفتين فيه متساويتين..
التقرير هو الحكم والملك بحكمته التقط اللحظة المناسبة..إنه يقدم لنا جميعاً كعرب نموذجاً نشعر بالحاجة اليه في زمن تلاطم الامواج وافتقاد الموانىء ..
الملك حمد بقبوله التقرير يضع حداً للتأزيم ويحشر الذين قادوا أو ركبوا موجته ويعرضهم للمساءلة باسم البحرين كلها.
(الرأي)