الحرس القديم والجديد في طاحونة الدولة!

يسأل كثيرون عن سر تبدد هيبة الدولة، اذ لم يعد القانون فوق الجميع، ولم يعد احد يحسب حسابا للدولة ولا للقانون، ولا لمن ينفذ القانون، واسباب ذلك متنوعة.
من غياب العدالة الى اكل حقوق الناس، الى ايذاء المتنفذين للناس، بأخذ حقوقهم بوسائل مختلفة، وصولا الى استشراء الفساد حتى بات ثقافة تختبئ خلف وجوه ورعة تدعي التقوى الاجتماعية، لكنها تمارس الفساد بشكل او باخر، الى اختيار اراذل الناس للمواقع المهمة، وهي كلها وغيرها عوامل ادت الى تبدد هيبة الدولة.
احد الاسباب التي لا يقف عندها احد تتعلق بطحن الدولة لرموزها، المحترمة وغير المحترمة، وقد تم طحن مئات الاسماء المصنفة من الحرس القديم، وتم الحاق كل رموز الحرس الجديد بهؤلاء، وطحن الجميع، القمح مع الزوان في طاحونة واحدة، حتى فقدت الدولة رجالها وحرسها، لانه لم يبق انسان الا وتم ايذاؤه بتشويه سمعته.
لا نتحدث هنا عن الفاسدين المعروفين، نتحدث عن طبقة المسؤولين ورجال الحكم الذين تولوا مواقع مختلفة على مدى العقود الاخيرة، وعاشوا وقد شاهدوا بأم اعينهم كيف تم استبدالهم بأراذل الناس، واقلهم خبرة، وارخصهم قيمة، وكيف تمت المتاجرة باسماء جلبت اللعنات على الدولة مقابل اسماء محترمة تم حرقها.طحن الحرس القديم والجديد ايضا تم عبر وسائل مختلفة، من بينها تشويه السمعة، نشر الاشاعات، تسليط الحملات السياسية والاعلامية والاجتماعية، ترك النظيف والمحترم لضرب الحجارة، والالسن اللاذعة، التعريض ببيوت الناس، وضع الجميع في سلة واحدة، عدم توفير الحماية لكل من خدم، حتى اصبحت الخدمة لعنة على صاحبها، محترما كان ام غير محترم.كل ما سبق خلق صورة نمطية تقول ان كل مسؤول سابق وحالي، فاسد ومرتشٍ، وتمت تصفية الحسابات مع الحرس القديم والجديد، وتم ترك المسؤول في موقعه دون حماية برغم تكليفه ببرنامج صعب، يتوازى مع خذلانه وتركه للرماح، وكأنه وسط عملية انتحارية يدفع ثمنها من اسمه وعائلته مقابل لا شيء.
تكسير الاسماء بدون استثناءات، ادى الى حالة اخطر، تتجاوز تكسير الاسم، لان الدولة خلقت حالة تقول ان كل حرسها مشكوك فيهم، وكل حرسها محتال ونصاب ومرتشٍ، وكل حرسها غير مؤهل، والنتيجة كانت تكسير كل بطانات الحماية وكل المؤسسات، وتقديم الدولة بصورة التي لا هيبة لها ولا رجال، لان كل رجالها فاسدون ويستحقون الحرق.
الدولة بددت هيبتها بيدها، لانها هي التي ضحت بهؤلاء، وتعاملت معهم برعونة، وتسببت بسيادة منطق التطاول على الناس، المحترم وغير المحترم، تحت عنوان حرية الرأي، وتحت عناوين مبطنة تريد تصفية الحسابات، وكل مرحلة تحرق التي قبلها، على طريقة "كل امة تلعن سابقتها".
النتيجة النهائية لهذه الممارسات غير المسؤولة، طحن كل رجالات الدولة، وتحطيم الوسيط السياسي والاجتماعي الذي كان يربط الدولة بالناس، وقطع الحبل السري بين الدولة والناس.
هيبة اي دولة ليست بالكشرة ولا بضرب الناس، ولا بانزال الدرك بهراواتهم الى الشارع، اذ ان الهيبة تتحقق عبر وسائل عدة من بينها تطبيق العدالة، وانفاذ القانون، واشياء اخرى، كلها بحاجة الى اسماء حتى تنفذها، وبما اننا حرقنا كل اسماء الحرس القديم والجديد، فمن اين نأتي بأسماء قادرة على رد الهيبة الى الدولة، خصوصا، ان كل اسم في موقعه حاليا يقول "مالني ومالي هذه القصة ولماذا اتصدى لاي خطأ" وهو يعرف انه محروق في نهاية المطاف، وستطلع الفاتورة على حسابه، وستتخلى عنه الدولة في نهاية المطاف؟!.هذا الاسلوب الذي اعتمدته الدولة ادى الى خسارة كل البطانات السياسية والاجتماعية، والى ترك الدولة وحيدة، تبحث عن حلول سحرية، فلا تجدها، فلا نلوم الجميع لانهم يتفرجون، فقد دفعوا فواتير تفوق ماحصلوا عليه، وتم اتهام اغلبهم باتهامات مخزية، برغم براءة بعضهم، وتركنا من يستحق الادانة حقا، لصالح حرق الاغلبية.
على هذا لتتوقف الطاحونة الحجرية اولا عن طحن الناس، وعن الخلط بين القمح والزؤان، وبعد توقف الطحن الظالم الذي شمل المحترمين وغير المحترمين، يمكن توجيه السؤال حول هيبة الدولة، لان الهيبة تتحقق بمعايير اخلاقية، وعلى يد اناس افاضل، لكننا طحنا الجميع، الشريف واللص، ثم جلسنا نندب حظنا حول هيبة الدولة التي تبددت، بعد ان نجحنا في حرق كل الناس، وذرهم رمادا في الصحراء. اذ تستبدلون غزلانها بقرودها.. فعليكم ان لا تسألوا اين ذهبت هيبة الدولة. أليس كذلك؟!.
(الدستور)