ربيع العرب يورق في «الأزهر»

المدينة نيوز - فقد "الأزهر الشريف" الكثير من مكانته وسمعته في ظل نظام الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك، إذ تحّول إلى بوق رئيس من أبواق سلطة الفساد والاستبداد، حتى أن شيخه الراحل محمد سيد الطنطاوي، أفتى بضرورة جلد الصحفيين ثمانين جلدة، إن هم تناولوا "صحة" الرئيس بالخبر والنقد والتعليق، ولا أدري ما العقوبة التي كان "الشيخ الأكبر" سيقترحها بحق من يجرؤ منهم على المطالبة برحيل "الفرعون الأكبر".
ذهب مبارك، وبقي "الأزهر"...لكن "أزهر" ما بعد مبارك، لم يعد كما كان، فقد شُرّعت أبوابه على مصاريعها لهبوب رياح الحرية والاستقلالية والتغيير...وكان من حسن طالع الأزهر، أن الإمامة الكبرى فيه وعليه، كانت انتقلت إلى فضيلة الدكتور أحمد الطيب، الذي امتنع عن استخدام سلاح "الفتوى" لإنقاذ الدكتاتور، مكتفياً بدعوة المصريين لتجنب العنف والغلو وحفظ وحدة البلاد والعباد والتزام اليقظة وضبط النفس.
لتنتقل مشيخة الأزهر بعد ذلك، إلى إصدار "وثيقتها السياسية الإصلاحية" التي تحدثت فيها عن الدولة المدنية واحترام حرية الرأي والعقيدة وحفظ حقوق المواطن في دولة يحميها القانون السيّد، وينظم علاقتها بجميع أبنائها، دستور توافقي.
وكان للحضور الكثيف لمشايخ الأزهر، خصوصاً الشباب منهم، في ميدان التحرير وقعٌ كبير على حركة الشارع المصري، بجناحيه، المسلم والمسيحي...فهؤلاء نجحوا في غضون ساعات في تبديد صورة سلبية عن المشيخة، كرستها سنوات وعقود من الاستتباع للمؤسسة السياسية، وخدمة السلطان.
وتطور موقف الأزهر بعد سقوط مبارك، واتخذ موقفاً منحازاً إلى جانب "شباب التحرير" في مواجهة غطرسة العسكر، وسعيهم الذي لا يكل ولا يمل، لمصادرة الثورة واحتوائها...وعندما خرجت "المليونيات" ضد بقايا النظام ورموزه وأزلامه، الذين يحميهم المجلس العسكري الأعلى ويحفظ دورهم، ذهب الأزهر الشريف في خطٍ مغاير تماماً لخط بقايا النظام البائد.
ومع بدء أول عملية انتخابات تعددية، حرة ونزيهة في البلاد بعد سقوط نظام مبارك، لم ينبر ِ الأزهر لدعوة الناخبين لاختيار مرشحيهم على أساس ديني أو مذهبي، بل دعا المواطنين إلى اختيار من هو أكفأ وأكثر نزاهة، ومن يتوسمون في الخير والصلاح لمستقبلهم ومستقبل أجيالهم.
شيئاً فشيئاً يستعيد الأزهر الشريف صفحات مشرقة من تاريخه العلمي والدعوي والتربوي التنويري...وهو دور شابته لحظات صعود وهبوط، انفتاح وانكفاء، ودائما وفقاً لمقتضى الحال السياسي في البلاد وطبيعة نظام الحكم القائم فيها...اليوم، يتماهى الأزهر مع ثورة 25 يناير، ويتساوق مع نبض الشارع الثائر، ويقف إلى جانب شبانه وشاباته في مواجهة محاولات الاستيلاء على الثورة وحرفها عن وجهتها.
دور الأزهر بات اليوم مطلوباً أكثر من أي وقت مضى، وفي مصر بالذات، فضلا عن بقية الدول والمجتمعات العربية...فتيارات الغلو والتطرف تغزو المجتمع وصناديق الاقتراع وتزحف على مقاعد مجلس الشعب..وثمة قلق عميق ينتاب المجتمع المصري من مغبة الانقسام الطائفي، الذي تغذيه جماعات متطرفة على ضفتي المعادلة..بعض المتشددين السلفيين وبعض المتطرفين الأقباط، ما يهدد نسيج مصر الاجتماعي ووحدة شعبها الوطنية.
ودور الأزهر مطلوب في مواجهة احتمالات إعادة انتاج الدكتاتورية والتسلط...ودفاعا عن ثورة مصر العظيمة في مواجهة محاولات اختطافها أو تفريغها من مضامينها....ودور الأزهر مطلوب في تطوير خطاب مدني ديمقراطي تعددي، ذي مرجعية اسلامية، تنهل منه الحركات السياسية الإسلامية، ويوفر غطاء فكريا ومرجعية عقيدية متطورة لها.
نستبشر خيراً بمواقف الأزهر الأخيرة، ونأمل أن يحفظ استقلاليته عن "المؤسسة السياسية" وأن يواصل هذا النهج التنويري، الذي نبدو جميعاً بحاجته، إسلاميين وعلمانيين، مسلمين ومسيحيين سواء بسواء.(الدستور)