الهمجية العليا

- هل يسير التاريخ قدما الى الامام نحو غايات محددة منشودة, الى الجنة كما يحلم المؤمنون او الى الاشتراكية كما يحلم التقدميون او الى تأبيد الرأسمالية كما يحلم الليبراليون.. ام ان هذا الطريق شاق وعسير ومتعرج ومقابل خطوة الى الامام ثمة خطى الى الوراء.. وهل تنطوي الحتميات المختلفة على خط مستقيم بالضرورة.. وفي عالم الطبيعة, هل يمكن للكون ان يختصر دورته بفصل واحد, ربيعا كانت ام شتاء ام خريفا.
في ذروة صعود الماركسية اواخر القرن التاسع عشر كان للفيلسوف كيركغارد رأي اخر في حركة التاريخ والتفاؤل الذي ساد اوساط العمال واليساريين.. فالتقدم البرجوازي لعنة مثل غيره وقد يعود البشر مجددا الى التأويلات الدينية والثقافة الاقطاعية, بل ان ماركس نفسه في كراس (المسألة اليهودية) قال ان الرأسمالية ما ان تتحول من رأسمالية صناعية (بضاعة, نقد, بضاعة) الى رأسمالية مالية (نقد, بضاعة , نقد) ستصبح يهودية ربوية...
ومثل كيركغارد وماركس قال الفيلسوف شبنغلر ان ما يجري من تحولات من الاقطاع الى الرأسمالية ليس سوى تحولات من الهمجية البدائية الى الهمجية العليا.
وكان فيلسوف الماني اخر, محسوب على كل العصور, هو نيتشه, قد وجد في التاريخ شكلا من العود الابدي, والدورة الجوفاء, وقبله افلاطون الذي لخص تاريخ الصراع بدوره لا تنتهي (طغيان- ديمقراطية, فوضى, حروب, استبداد) وهكذا...
وبعد افلاطون وعدنا هوبز بنظام رأسمالي جديد قوامه ليبرالية غريبة, هي الليبرالية المستبدة او ليبرالية (اللوياثان) الاب الروحي لكل الرأسماليات المتوحشة.. وكما ترون فان ما يجري ليس بعيدا عن كل ما سبق.. عودة الى اليهودية في قلب النظام الرأسمالي كما تنبأ ماركس, وعودة لتأويلات دينية مختلفة كما تنبأ كيركغارد, وليبرالية تعيش على مخدة (لوك) يوما او يومين وتمضي بقية العام على سرير هوبز ومقابل الهمجيات البدائية والقتل البطيء بالبلطات ها هي الهمجيات الرأسمالية المعاصرة تقتل في ثانية واحدة ملايين اليابانيين في نجازاكي وهيروشيما ثم في العراق وغيره.. دون ان تقدم امريكا في كل عهودها اعتذارا واحدا ومثلها فرنسا والعصابات اليهودية التي تحتل فلسطين..
ما هو افضل من كل ما سبق ما قاله سبارتاكوس والامام علي وغيفارا وانطون سعادة:- ولد الانسان ليقاوم بصرف النظر عن العقاب والثواب وعن اسماء الشر وانيابه وعصوره.