الإسلاميّون والرّومانسية

- من أكثر ما يلفت الانتباه في الحملة التي يشنها الخصوم على الحركة الإسلامية وصعود نجمها في الانتخابات العربية النزيهة, وعلو كعبها في حصاد الثورات العربية, غير التباكي على الديمقراطية والحريات الشخصية, والتباكي على المرأة, والأقليات, والمخالفين في الرأي والدين والسياسة, الذهاب ابعد من ذلك الى درجة تهديد الفن والتمثيل والمسرح وربما تهديد الحب والرومانسية والشعر والقصيد.
هؤلاء الخصوم استطاعوا رسم صورة بائسة لمن يحمل الفكر الإسلامي, أو يبشّر بالمشروع الحضاري العربي الإسلامي, بأنه مخلوق شبيه بالإنسان, متجهم الوجه, حاد القسمات لا يضحك, بل لا يبتسم, يده والعصا, لا يلتفت الى مباهج الحياة, يكره الفرح ...
وهنا أود أن أقول لهؤلاء ولمن يسمعهم أو يتأثر بهم, إن الإسلام دين الفطرة, فلم يأت ليصادم سنة الخلق بل العكس تماماً, فقد نهى عن التبتل والانقطاع للعبادة فقد روى أن ثلاثة نفر جاءوا للرسول صلى الله عليه وسلم يريد احدهم أن يصوم الدهر كله والآخر أن يصلي الليل كله, والأخر أراد العزوف عن الزواج, فنهاهم الرسول صلى الله عليه وسلم عن ذلك, وقال: أنا أعْبَدَكم لله وأخشاكم له, وأنا أصوم وافطر, واصلي وارقد, وأتزوج النساء, فمن رغب عن سنتي فليس مني.
وقد ذُكر أمام الرسول صلى الله عليه وسلم رجلاً يصوم نهاره ويقوم ليله, فسأل الرسول عليه الصلاة والسلام من يكفيه طعامه وشرابه, فقالوا له نحن يا رسول الله, فقال: انتم خير منه.
سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم مليئة بالحوادث التي نريد أن تجعل من الآدمي إنساناً رائعاً فاعلاً محباً, يحب الناس, يحب الآخرين, يحب الحياة, يحب الجمال, يحب اللطف, يحب الرفق, يحب الكلمة الجميلة, ويحب الثوب الجميل, ويحب البسمة الجميلة, ويحب التعامل الجميل اللطيف, يريد من الإنسان أن يكون خفيف الظل محبب الطلعة, جميل الكلمة, يحب التبشير وينفر من التنفير يحب التآلف, يحب التعاون مع الآخرين, يحب خدمة الآخرين ويزرع البشاشة ويحصد التعاون الأخوي الرقيق المحبب.
الإنسان المسلم حقاً من يدخل السرور على الخلق, اذا رآه الناس استبشروا بقدومه, وإذا غادر تعلقت به القلوب, ورنت إليه الأبصار, رائحته جميله, ومقعده جميل وحديثه جميل وملابسه جميلة, وأثاره جميلة.
وعندما بعث الرسول صلى الله عليه وسلم معاذا وأبا موسى الأشعري الى اليمن, أوصاهما: قائلاً: اتفقا ولا تختلفا, وبشرا ولا تنفرا, وجمعا ولا تفرقا.
ولقد سمعت من الرئيس طيب رجب أردوغان, عندما كان رئيساً لبلدية استانبول في أوائل التسعينيات قائلاً, لقد اتخذت وصية الرسول هذه دستوراً وبرنامج عمل.
الحياة الإسلامية مليئة بدفء الحب, تعج بالعواطف النبيلة, تشجع على إشاعة الجو الذي تتآلف فيه الأرواح وتلتقي الأطياف الجميلة, على الجمال والحب الذي يملأ الطرقات والآفاق, فنجعل البلابل تشدو على النوافذ مبكراً, وتتطاير حول الجداول لتشجيع أصحاب القرائح والشعراء والأدباء ليديحوا القصائد الجميلة, والمقطوعات الأدبية الرومانسية التي تحارب الضغينة وتقتل الحقد, وتطارد الكره وتقاتل البغض, وتشيع جو نسمة الحب الرقيقة التي تداعب الأعين والوجوه, وسوف تكون قادرة على مواجهة رياح البغيضة وعواطف القطيعة.
وقد أختصر عباس السيسي الإسلام كله بكلمه وجعل ذلك عنوان كتاب: (الإسلام حب).(العرب اليوم )