يناير بين الشرعية و إسقاط الدولة

تم نشره الأحد 25 كانون الأوّل / ديسمبر 2011 03:06 مساءً
يناير بين الشرعية و إسقاط الدولة
محمد أبو راشد المرصفى

قام السيد المشير بإصدار قرار الدعوة لعقد الجلسة الأولى للبرلمان يوم 23 يناير 2012 ليكون إذانا بدخول مصر عهد جديد من الشرعية الدستورية المبنية على الإقتراع الحر المباشر. هذا القرار هو أولا إستحقاق دستورى لبدأ جلسات البرلمان و إيذانا بنقل السلطة التشريعية و ثانيا تنفيذا  لتفاهمات الفريق عنان مع 13 رئيس حزب فى الأول من أكتوبر الماضى حيث نص الإتفاق على أن تعقد أولى جلسات البرلمان فى النصف الثانى من يناير بدلا من منتصف أبريل. و ياللمفارقة حيث لعق الكثير ممن وقعوا على البيان توقيعاتهم و حاول البعض تناسيها.
لماذا إصدر المشير القرار قبل شهر كامل من الموعد المحدد ؟ : إصدار مثل هذا القرار فى مثل هذه الظروف التى مازالت آثار أحداث شارع القصر العينى ساخنة و فى ظل الإعتداءات المؤسفة التى قام بها بعض أفراد الشرطة العسكرية له دلالات عظيمة:
•         إصرار المجلس الأعلى للقوات المسلحة و المشير شخصياً على إنجاز الإنتخابات و تسليم السلطة لهيئات شرعية منتخبة
•         إنجاز إستحقاق دستورى حيث لاينعقد البرلمان إلا بدعوة المجلس الأعلى للقوات المسلحة
•         رسالة شخصية من المشير أنه أنجز ما وعد به و أضفى الشرعية على جلسات المجلس فى حال أن أصابه مكروه أو حتى خلاف داخل المجلس العسكرى أو جد أى جديد مع ملاحظة الصمت الإعلامى التام لأعضاء المجلس الأعلى
•         قطع الطريق على أى إتجاهات أو أراء أو تصريحات داخل المجلس نفسه للإلتفاف على الشرعية الدستورية
•         رسالة تبادلية تطمينية مع القوى التى إختارت الشرعية الإنتخابية و المشاركة بجدية فى العملية الديموقراطية و على رأسها الأحزاب الإسلامية
•         يوضح بما لايدع مجالا للشك حجم الضغوط و الإرهاب الفكرى الواقع تحته المجلس الأعلى لشل قدرته على قمع المخربين. فهناك حصار إعلامى كبير لإستخدام الجيش حتى للوسائل القانونية لتفريق المتظاهرين أو لتقديم المشتبه بهم إلى المحاكمة
•         طلب إستقواء بالقوى السياسية المنخرطة فى العملية الديموقراطية ضد القوى التى مازالت مصرة على الأعمال الإحتجاجية و التى إكتست بنزعة عنف مؤخرا
ماذا يعنى عقد البرلمان يوم 23 يناير ؟ : من الناحية الإحتفالية فهذه مناسبة جميلة جدا أن يتم إفتتاح برلمان الثورة قبل يومين من مرور سنة على بداية أحداث الثورة المصرية فى 25 يناير 2011. لكن إذا تجاوزنا الدلالة الإحتفالية فإن الدلالات السياسية و الدستورية تتجاوزها إلى:
•         برلمان شرعى منتخب له وحده السلطة التشريعية ؟ : إنتقال السلطة التشريعية و الرقابية إلى الشرعية الأعلى فى البلاد و للبرلمان وحده سلطة سن القوانين.كم أن له سلطة رقابية على أعمال السلطة التنفيذية و على رأسها حكومة الدكتور الجنزورى
•         رئيس وزراء له سلطات رئيس جمهورية ماعدا ملفى الأمن و القضاء: فطبقا للتفويض القانونى الذى منحه المجلس الأعلى للقوات المسلحة فللدكتور الجنزورى كامل صلاحيات رئيس الجمهورية فيما عدا ملفى الأمن و القضاء
•         المجلس الأعلى للقوات المسلحة معها ملفى الأمن و القضاء : هيئة شرفية لا تملك سلطة تنفيذية كاملة  ولا أى سلطة تشريعية لها . أما الملف الأمنى فالمجلس الأعلى صاحب حق أصيل وتاريخى فى الحاضر و المشاركة فى إدارته فى المستقبل. أما ملف القضاء فمشهود للمجلس عدم التدخل فيه كما أن مجلس القضاء الأعلى لم و لن يسمح لأحد بالتدخل فى شئون القضاء.
 
هل سيكون يوم 25 يناير يوم ثورة جديدة أم إسقاط الدولة؟ مما يؤسف له أنه بينما تنتظر جموع الشعب هذا اليوم العظيم بفارغ الصبر وتكبد مايقارب ال 25 مليون مصرى حتى الآن (ربما 10 ملايين أخرى فى المرحلة الثالثة ) مشقة التصويت إذ تطل علينا بعض القوى السياسية التى تحرص على إبقاء جذوة الإحتجاجات و الإعتصامات و بعضها جنح إلى العنف الواضح يبشروننا بالثورة الثانية. وهذا ماعهدناه من هذه الجماعات التى لم تشارك فى الحراك السياسى. لكن ثالثة الأسافى هى إعلان بعض قوى العمل السياسى و المستقل إستعدادها لما يسمى بالثورة الثانية فى نفس ذكرى الثورة الأولى. و يأتى على رأس الشخصيات التى فاجأتنا  الدكتور المعتز بالله عبدالفتاح الذى حاول أن يكون محايدا مستقلا طوال سنة من الأمواج السياسية. طبعا ليس مقصودا لشخصه لكن ربما يمثل هذا إتجاها لبعض المستقلين أو بمعنى أصح الذين حاولوا.ويجب أن نسجل هنا الملاحظات التالية:
•         لم الإستعجال فى إعلان الثورة ونحن على مسافة شهر من الموعد وكأن القرار نهائى بغض النظر عما يمكن أن يفعله المجلس الأعلى خلال هذه الفترة بما فيها تسليم السلطة التشريعية فى 23 يناير؟
•         ليس هناك مايدعوا أبدا للثورة على نظام سياسى به مجلس تشريعى و رقابى منتخب فى ظل سلطات محدودة للمجلس العسكرى خصوصا أننا لم نرى بعد مدى إضطلاع البرلمان بدوره و لا مدى تعاون المجلس الأعلى معه
•         هل يحق لنا أن نفكر فيما وراء قرار الثورة إذا كان المقصود إسقاط الدولة ؟ هل تخشى بعض النخب السياسية و الإعلامية المزعومة من إنتهاء دورها ؟ هل تخشى بعض الجماعات التى إمتهنت الثورة من فقد وجودها على المشهد السياسى أو على الأقل الإعلامى ؟ كل هذه الأسئلة فى حاجة لإجابات لن نستطيع فى الأغلب الحصول على إجابات شافية إلا إذا جاء يوم 25 يناير
•         إن هذه الثورة المزعومة غير واضحة الأهداف تثير المخاوف التى إقتربت من أن تكون دلائل يقينية على نية البعض لأن يكون يوما لإسقاط الدولة. لقد إستمعنا جميعا للصراحة فى طرح اليسار المصرى الذى يصرح بأنه "نعم يريد إسقاط الدولة" ولا سبيل لذلك "إلا بإسقاط القلب الصلب للدولة"
•         تتوافق هذه الدلائل مع ماتواتر عن الحركات الثورية الأخرى التى تلقت تدريبا خارجيا على إسقاط الدولة وهو أمر شرعى فى ظل النظام السابق. وياللمفارقة أن هذه الإتجاهات جميعا اليسارية و اليمينية تتخذ من ذات القبضة الشهيرة بمنظمة أوتبور شعارا
الحــــــــــــــــــــل : إننا نعول كثيرا على تعاون الجهات الشرعية الثلاث للحفاظ على كيان الدولة و إعطاء الفرصة لنواب الشعب المنتخبين لممارسة دورهم التشريعى و الرقابى فى إنجاز مطالب الثورة و بناء الدولة الديمقراطية. و على الجهات الثلاث التعاون فيما بينها :
•         على المجلس الأعلى حماية الشرعية البرلمانية المنتخبة إنتخابا حرا من جموع الشعب المصرى و التصدى بشدة لأى محاولات لتعطيل المجلس التشريعى عن ممارسة مهامه
•         على الدكتور الجنزورى بما يملك من سلطات التشاور مع الأغلبية البرلمانية لإعادة تشكيل حكومة ترضى عنها القوى الناجحة فى الإنتخابات كحل مؤقت لحين إسناد المجلس الأعلى رئاسة الحكومة للأغلبية البرلمانية
•         على البرلمان التعاون مع المجلس الأعلى و حكومة الدكتور الجنزورى لتسيير الأعمال و الإبتعاد عن أى صدامات من شأنها أن تتحول إلى صراع بين السلطات و كلنا ثقة فى القوى السياسية و على رأسها الإخوان للركون إلى التفاهم بدلا من التصادم
•         على البرلمان إصدار بيان أو تشريع بقانون فى نفس يوم إنعقاده لدعم الجيش و الأمن بالأخذ بشدة على يد أى خروج على القانون و محاولات هدم الدولة خصوصا أى محاولات لغلق البرلمان فى شارع القصر العينى و تجريم أى أعمال إعتصام أو إحتجاج خارج ميدان التحرير
•         على المجلس الأعلى التشاور مع قيادات الأغلبية فى البرلمان لإسناد رئاسة الوزراء لشخصية تكون مدعومة بأغلبية برلمانية. صحيح أن النظام ليس برلمانى و لا يوجد نص فى الدستور يعطى البرلمان الحق فى سحب الثقة لكن هذه الخطوة مهمة فى طريق تسليم السلطة
•         إعلان ميدان التحرير منطقة محرمة على الإقتحام أو طرد المعتصمين من قبل الأجهزة الأمنية و فى نفس الوقت تجريم الخروج من الميدان إلى أى من الشوارع المحيطة كالقصرالعينى أو محمد محمود
أخيرا و ليس آخرا : على الجهات الحاكمة للشارع خصوصا الإسلاميين أخذ زمام المبادرة للدعوة إلى إحتفالات حاشدة فى يوم 25 يناير. و قد أثبتت التيارات الإسلامية أنها الأقدر على حفظ النظام فى ميدان التحرير لقطع الطريق على أى جماعات تخريبية تحاول تفجير الوضع فى ذلك اليوم.


محمد أبو راشد المرصفى
كاتب مصرى
 



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات