هل يؤيد ليبرمان حقا إقامة دولة فلسطينية؟!
*نشر أفيغدور ليبرمان زعيم حزب «إسرائيل بيتنا» الإسرائيلي اليميني مقالا في صحيفة «جويش ويك» الالكترونية المحسوبة على بعض الجماعات اليهودية الأمريكية، تحدث فيه عما وصفه بعدم معارضته لإقامة دولة فلسطينية مما أثار اهتماما كبيرا نظرا لكون ليبرمان مشهورا بمواقفه المعادية للعرب ولحقوقهم.
وقد جاء توقيت نشر المقال المذكور بصورة لا تقل أهمية عن فحواه، حيث يأتي النشر بعد أن تحدثت الكثير من المصادر عن رغبة الإدارة الأمريكية تحديدا والكثير من اللاعبين الدوليين البارزين تفضيل حكومة إسرائيلية موسعة على حكومة يمين مصغرة تعتمد على ليبرمان وحزبه، كما جاء المقال غداة صدور الكثير من الشائعات التي تتحدث بأن ليبرمان مرشح للحصول على منصب وزاري مرموق في الحكومة الإسرائيلية المقبلة، لا بل تحدثت بعض الشائعات عن إمكانية تبوء ليبرمان منصب وزير الخارجية!
إن حرج الإدارة الأمريكية والمجتمع الدولي لا ينجم فقط عن مواقف ليبرمان المعروفة بعدائها للعرب بل أيضا بسبب رؤية ليبرمان ومواقفه من قبل الكثيرين، بما يشمل العديد من الإسرائيليين اليهود، بأنه ليس أفضل من الأصوليين الإسلاميين الذين يوصفون وكأنهم إرهابيون بنظر الغرب عامة والولايات المتحدة خاصة.
كما يبدو فإن ليبرمان فهم الإشارات التي أطلقها مبعوثون دوليون ولاسيما أمريكيون تجاه تفضيل حكومة إسرائيلية بدونه، لكن بما أنه معني بلعب دور بارز في الحكومة الإسرائيلية المقبلة فإنه ارتأى أن «يوضح موقفه» من خلال المقال المذكور للأمريكيين ساعيا إلى استرضائهم لإدراكه بأنه من الأفضل له عدم التصادم مع الإدارة الأمريكية بل كسب ودها بالذات في موضوع حساس مثل قضية حل الدولتين الذي تروج له الولايات المتحدة والمجتمع الدولي كأكثر حل مفضل للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي.
وقد جاءت ردود الفعل الإسرائيلية على المقال المذكور متضاربة، ففي حين رأى الكثيرون، لاسيما أنصار تيار اليمين، بالمقال تعبيرا عن «حقيقة ليبرمان غير اليمينية» حيث ذهب البعض إلى اتهام ليبرمان بالكذب على الناخبين وتضليلهم من خلال حملته الانتخابية الأخيرة؛ فإن البعض الآخر ادعى بأن مقال ليبرمان ما هو إلا خطوة تكتيكية تهدف إلى إقامة علاقات جيدة بينه وبين الإدارة الأمريكية والجاليات اليهودية في الولايات المتحدة.
كذلك الحال عربيا حيث تباينت وجهات النظر بين أولئك المعتبرين مقال ليبرمان «خطوة إيجابية» التي من شأنها أن تؤشر إلى أنه قد يتغير كما ذهب البعض إلى القول بأن المشاركة في الحكم ليس كالمكوث في المعارضة، مستذكرين بأن رغم تبوء ليبرمان لمنصب وزير الشؤون الاستراتيجية في حكومة إيهود أولمرت لبعض الوقت إلا أنه لم يؤثر كثيرا على سياسة الحكومة الإسرائيلية لا للسلب ولا للإيجاب بالتعامل مع القضايا العربية والإسلامية.
بالمقابل هنالك كثير من العرب الذي يعتقدون بأن مقال ليبرمان ما هو إلا مناورة تهدف إلى إقامة علاقة جيدة مع الإدارة الأمريكية من خلال تضليل هذه الإدارة أو على الأقل بعض اللاعبين في المجتمع الدولي بادعاءاته وكأنه يؤيد إقامة دولة فلسطينية.
لكن بالرغم من هذه الرؤى المختلفة فإنه يمكن القول بأن فحوى المقال الذي نشره ليبرمان مؤخرا ممكن أن يعتبر مؤشرا إيجابيا يدل على استعداد ليبرمان الاعتراف بحق الفلسطينيين بتقرير مصيرهم، غير أن قراءة متأنية للمقال تدفع إلى الاقتناع بأن ليبرمان لا يزال بعيدا جدا عن تأييد حق الفلسطينيين بإقامة دولة مستقلة لهم وذات سيادة.
لذلك على الإدارة الأمريكية بشكل خاص واللاعبين الدوليين بشكل عام عدم الاكتفاء بمقال ليبرمان المذكور وكأنه «شهادة حسن سلوك» بل مطالبة ليبرمان تقديم إجابات واضحة على ثلاثة أسئلة رئيسية قبل قبوله شريكا لأي حوار حقيقي. ويمكن إيجاز هذه الأسئلة كالتالي: -
1) ما هي مواصفات الدولة الفلسطينية التي يتحدث عنها؟ ما هي حدودها وهل هي دولة كاملة السيادة أم لا؟
2) ما هي خططه لعلاقة إسرائيل مع الدولة الفلسطينية؟ هي يتحدث عن علاقة جار بجاره أم سيد بعبده؟!
3) ما هي رؤيته لمستقبل المواطنين العرب داخل الدولة العبرية؟ هل لا يزال يصر على فرض «امتحانات ولاء» عليهم أو ترحيلهم أم غير رأيه بهذا الصدد؟
بدون الحصول على إجابات شافية وواضحة من ليبرمان على الأسئلة المذكورة وعلى أسئلة كثير غيرها لا يمكن اعتبار مقاله الأخير تحولا جذريا بل خطوة تكتيكية تهدف بالأساس إلى تضليل الإدارة الأمريكية والمجتمع الدولي من خلال تقديمه لنفسه على أنه شريك محتمل لعملية سلام في الشرق الأوسط.
لذلك يبقى السؤال مطروحا: هل الإدارة الأمريكية ستضلل أم أنها معنية بالظهور كمن ضللت لتغطي على «اضطرارها» التعامل مع ليبرمان، أم أننا سنرى موقفا أمريكيا صلبا على غرار الموقف من حركة حماس الفلسطينية؟!
القدس المقدسية