الحركة الإسلامية من حالة اعتراضية إلى حركة بناء

- الحرب الطويلة التي مارستها الأنظمة العربية ضد الحركات الإسلامية على الأصعدة السياسية والاقتصادية والثقافية جميعها, في معظم البلاد العربية جعلت منها حالة اعتراض ورفض, وزاد من تكريس هذه الحالة الغارة الأمريكية على العالم الإسلامي تحت مسمّى الحرب على الإرهاب, فوجدت الأنظمة العربية ضالتها في هذه الحرب, فأمعنت بالتضييق والمطاردة, والمنع من ممارسة العمل السياسي, وتزوير الانتخابات البرلمانية والمحليّة, مستثمرين حالة وصف العمل السياسي الإسلامي بأنّه صنف من صنوف الإرهاب, وكذلك وجدت الحركات الإسلامية جوّاً عالميّاً من العداء والتشويه, بالإضافة إلى حملة إعلامية عالمية لغسل أدمغة الأجيال الجديدة من أجل انفضاضها عن المشروع الحضاري الإسلامي الواعد.
انشغلت الحركة الإسلامية في مواجهة هذه الحروب والحملات الشرسة وعاشت سنوات طوال تحت أسلوب ردّات الفعل, وأسلوب الحفاظ على النفس وتماسك التنظيم, والبقاء على قيد الحياة, بدلاً من الانطلاق في مجال استكمال المشروع الحضاري البديل, وبدلاً من الانغماس في عمليات البناء المنتج للمؤسسات الوطنية, القادرة على وراثة الأنظمة المترهلة والبائدة, التي عجزت عن بناء المشروع العربي الوحدوي, القادر على توحيد العرب والقادر على تهيئة البيئة المناسبة لاستنبات مقومات النهوض العربي.
حالة الاعتراض والرفض السابقة كان لها فضل عظيم ودور مهم وبارز لا يمكن إنكاره في حفظ وجود الأمّة, وفي الحفاظ على خيط الأمل الرفيع الذي يستطيع نظم الشباب العربي, والقوى الشعبية الناهضة, وبعض الأحزاب السياسية التقليدية في بوتقة الصبر والمصابرة, والرباط والمرابطة على التمسك بجذع الشجرة إلى حين انكشاف الغمّة وذهاب العاصفة.
لكن بكل تأكيد فإنّ الأمّة كلّها تعبر الآن المضيق نحو مرحلة جديدة مختلفة اختلافاً كاملاً وشاملاً على صعيد الشعوب وعلى صعيد الدول والأنظمة الرسميّة, مما يحتّم على الأمّة الإسلامية الانتقال من حالة الاعتراض إلى حالة البناء, والإعداد للمشاركة في إدارة الدولة, وإصلاح الأوضاع وبناء المؤسسات والانطلاق مع كل العقول والسواعد الخيّرة المنتمية لهذا الوطن, وتملك الاستعداد للعمل, ومغادرة مربع النقد والهجوم والسجال الكلامي وكيل الاتهامات, وحرب الفضائيات التي تهدر الوقت وتقتل الطاقات وتبدّد القدرات وتضيّع العمر.
(العرب اليوم )