عن المفاوضات والاستراتيجية البديلة

- ستظل القيادة الفلسطينية تواجه ضغوطاً كتلك التي واجهتها عشية استئناف المفاوضات “الاستكشافية” التي عُلّقت في عمان قبل أيام قلائل...ومن غير المقبول بداية، الخضوع لهذه الضغوط، والأهم من هذا، فإن غير المقبول “تعليق” العمل باستراتيجية العمل الوطني البديلة، استجابة لشروط إسرائيل وضغوطها، التي سرعان ما تتحول إلى شروط وضغوط، عربية وإقليمية ودولية.
بمعنى آخر، فإن المجتمع الدولي “المنافق”، يمارس اليوم أشد ضغوطه على الجانب الفلسطيني للإستمرار في المفاوضات وتمديد مهلها الزمنية، في المقابل، فإن ضغوطاً متواضعة للغاية تُمارس على الجانب الإسرائيلي، لا لوقف الاستيطان والالتزام بمرجعيات عملية السلام، بل لاتخاذ خطوات “بناء ثقة” متواضعة، من نوع الإفراج عن “معتقلين كبار”، وأزالة بعض الحواجز، وهي لعبة ملّها الشعب الفلسطيني لفرط وقاحتها، فإسرائيل تستخدم سياسة “الباب الدوار” مع المعتقلين والأسرى، تخرج دفعة منهم، لتُدخل دفعة أخرى، تفرج عن بعضهم لبعض الوقت، قبل أن تعود لاعتقالهم من جديد، كما حصل مع مع نواب حماس ووزراء القدس، ترفع حاجزاً هنا لتقيم أخر هناك.
حتى أن الأوروبيين (أشتون) والأمريكيين، باتوا يروجون لمقولة أن شرط وقف الاستيطان قد تحوّل إلى قيد على السلطة وعبء عليها، بدل أن يكون عبئاً على الاحتلال، وسبباً لوقف زحفه الاستعماري على الأرض والحقوق الفلسطينية، وهذه مقاربة تنهض كشاهد على إفلاس ما يسمي “المجتمع الدولي”، وعجزه عن ممارسة ضغط على إسرائيل لوقف الاستيطان والالتزام بمرجعيات عملية السلام.
إزاء وضع كهذا، وأمام مضي إسرائيل في انتهاج سياسات وإجراءات أحادية، كالتوسع الاستيطاني، واستمرار المجتمع الدولي في ضغوطه ونفاقه، فإنه يتعين على الفلسطينيين المضي في ترجمة استراتيجياتهم الخاصة بهم، بمعزل عن “المسار التفاوضي” ومن دون نظر إلى تعثره أو تقدمه...فمسار المصالحة ورزنامتها الزمنية يجب أن تسير في كل الظروف وبصرف النظر على المفاوضات...والمقاومة الشعبية الواسعة، يجب أن تكون تنطلق وبزخم وطني – شعبي متواصل، من دون صلة بالمسار التفاوضي، وعضوية المؤسسات والمنظمات الدولية، يجب أن يكون خياراً غير مشروط وغير متوقف على “مزاج” السيد ملوخو ومن هم يمثلهم....ومطاردة إسرائيل في شتى المحافل الدولية، يجب أن يكون عملاً يومياً مدرجاً على جدول أعمال القيادة ومختلف مؤسسات القرار الوطني.
لا يجوز بأي حال من الأحوال، أن نوقف العمل بأي من هذه العناوين أو نعلقه أو نجمده، بانتظار جولة مفاوضات عبثية أو استكشافية جديدة...هذا مسار يجب أن يظل متصلا وموصولاً....لا يجوز بحال أن تواصل إسرائيل سياساتها الأحادية، وسط عجز المجتمع الدولي وتواطئه، فيما يتعين على الفلسطينيين وحدهم، انتظار الضوء الأخضر الإسرائيلي قبل الانتقال إلى أي خطوة جديدة...هذا خيار سقط من قبل وهو ساقط الآن، وسيسقط من بعد.
قديما كنا نردد بأن مسار التفاوض يجب أن يسير جنباً إلى جنب مع مسار المقاومة...المقاومة اليوم، تتخذ شكلاً شعبياَ سلمياً، وتتخذ شكل كفاح سياسي وحقوقي، وتتجلى بأروع صورها في تدعيم صمود الشعب فوق ترابه الوطني وتوحيد صفوفه، هذه المقاومة لا يجب أن تتوقف، تحت أي ظروف أو مسوّغ....وهي مقاومة مشروعة وعادلة معترف بها من قبل العالم بأسره...وهي مقاومة لا يجب أن تكون مشروطة تحت أي ظرف من الظروف، حتى وإن اضطرت القيادة للإنحناء لعاصفة الضغوط الدولية والإقليمية أحياناً، كما حصل في مفاوضات عمان، لا يجب تجميد العمل بخياراتنا وأوراقنا التي بحوزتنا.
هناك قناعة جماعية فلسطينية، بإن إسرائيل تشتري الوقت، وأنها ليست جادة في المفاوضات، وأنها تريد الأرض والحقوق الفلسطينية...حتى الفريق الفلسطيني المفاوض، بات على قناعة تامة بأن هذا الخيار وصل طريقاً مسدوداً، والرئيس محمود عباس جاء إلى عمان استجابة لرغبة أردنية وتفادياً لضغوط “جاهزة” ستنصب عليه ، وليس قناعة بجدوى هذه الجولة...هذا أمر مفهوم، وقد تفهمته قوى وفصائل معارضة للمفاوضات جملة وتفصيلاً، بيد أن من غير المفهوم أن تكون هذه المفاوضات العبثية، سبباً لتأخير استحقاقات المصالحة، أو مبرراً لتعطيل ملاحقتنا لإسرائيل حقوقياً، أو كابحاً يحد من توجهنا لعضوية المنظمات الدولية والاحتكام إليها....لقد حصل ذلك مرات عديدة في السابق، ولم يعد مسموحاً أن يحدث في المستقبل، تحت أي ظرف من الظروف.
ومثلما جاء مولخو إلى عمان محاطاً بقرارات توسع استيطاني في القدس، فقد كان الأجدر والأجدى لو أن الجانب الفلسطيني تقدم لعضوية محكمة الجنايات ودعا لاجتماعات الدول الموقعة على اتفاقية جنيف الرابعة، في نفس اليوم الذي وصل فيه صائب عريقات إلى عمان.
نحن نتحدث عن استراتيجية ونهج عمل جديدين وبديلين، لا عن أوراق يلوح بين الحين والآخر، أو تشهر في وجه إسرائيل بين جولتي تفاوض متعاقبتين.(الدستور )