حتى لا تفقد فرصة المصالحـة زخمـها

- مشاعر القلق على مسار المصالحة تنتاب قطاع واسع من الفلسطينيين...سيما بعد أن انتهت بعض المهل المقررة لاتخاذ خطوات عملية، نوعية وملموسة على هذا المسار...اليوم مثلاً، انتهت المهلة التي كان يتعين خلالها الاتفاق على تشكيل حكومة وحدة وطنية تحل محل حكومتي "تصريف الأعمال" في الضفة و"المُقالة" في غزة...غداً كان من المقرر أن يلتقي الرئيس محمود عباس برئيس المكتب السياسي لحماس خالد مشعل في القاهرة، هذا اللقاء لن يعقد في موعده...وبعد غدٍ، كان من المفروض أن يلتئم شمل الإطار القيادي المؤقت لمنظمة التحرير في القاهرة أيضاً، هذا اللقاء أرجئ حتى إشعار آخر، ولم يحدد موعد بديل للموعد المضروب.
على مسار ميداني آخر، كان ينبغي للجنتي الحريات والمصالحة المجتمعية، أن تنجز أجندتها وتشرع في ترجمة التوجهات العامة للإجماع الفلسطيني، وثمة الكثير من العثرات على هذا الطريق، ما استدعى طلب النجدة من الوسيط المصري للحضور ميدانياً، الوفد لم يحضر، والمشاكل لم تحل جميعها...لجنة الفصائل المنشقة على نفسها، والتي تحمل الاسم ذاته، كان ينبغي أن تغلق ملفاتها، هذا أيضاً لم يحدث...كما أن المرسوم الرئاسي بخصوص موعد إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية والذي كان منتظراً بين لحظة وأخرى، لم يصدر بعد، وليس معروفاً متى سيصدر، بل وليس معروفاً ما إذا كانت الانتخابات المتفق عليها، ستجرى في أيار القادم أم أنها هي الأخرى ستتعرض للإرجاء.
يبدو أن الفلسطينيين الذين عانوا مطولاً من محاولات إسرائيل "نزع القداسة" عن المواعيد والاستحقاقات، قد أصيبوا هم أنفسهم بـ"فيروس عدم تقديس المواعيد والاستحقاقات" الخاصة بهم وبرزنامة مصالحتهم ووحدتهم الوطنية...وهذا أمر استثار قلق وغضب قطاعات واسعة من الفلسطينيين، الذين عادوا لرفع شعار "الشعب يريد إنهاء الانقسام"، ولقد شهدنا ولادة تحركات شبابية وشعبية تدفع بهذا الاتجاه، مع أنها ما زالت متواضعة وغير مؤثرة في الضغط على طرفي الانقسام لإتمام ملف المصالحة.
نحن نفهم أن الأجندة الفلسطينية ازدحمت بمواعيد واستحقاقات أخرى: زيارة بان كي مون للمنطقة...زيارة مشعل لعمان...اجتماعات اللجنتين المركزية فتح والتنفيذية للمنظمة لـ"تقييم وتقويم" نتائج مفاوضات "الاستكشاف" التي رعتها عمان...واخيراً اجتماعات لجنة المتابعة العربية لمناقشة الملف الفلسطيني بعد فشل مفاوضات "الاستكشاف" إياها...ولكن كل ذلك، ما كان، ولا ينبغي أن يكون مبرراً لتعطيل الاستحقاقات أو تأخيرها...ثم من قال إن هذه الرزنامة لن تعود للازدحام بمواعيد وانشغالات أخرى في قادمات الأيام، فهل المصالحة واستعادة الوطنية، أمر ثانوي ليُصار إلى تأجيله عند أول موعد طارئ أو استحقاق ضاغط ؟!.
إزاء هذه العثرات والتعثرات المتتالية، عادت المخاوف تنتاب قطاعاً واسعاً من الفلسطينيين، حيال مصائر المصالحة ومصير وحدة الشعب والجغرافيا والأداة والاستراتيجية....وثمة من عاد محقاً لمناقشة مسألة الأولويات الفلسطينية، سواء ما اتصل منها بالمفاوضات خياراً وطريقاً ورهاناً، أو ما تعلق منها بالربيع العربي، وما يمكن أن يولده من ميول للانتظار والتسويف، علّ قادمات الأيام تحمل جديداً لهذا الربيع في ساحات جديدة، كسوريا على سبيل المثال.
وهذه القراءات تبدو محقة في ضوء تجارب الماضي القريب والبعيد من جهة، وهي تبدو ضاغطة في ضوء التأخير والتأجيل المتكررين اللذين تعرضت لهما رونامة المصالحة وأجندتها، خصوصاً في ظل غياب "القطع" مع رهانات "التفاوض العبثي" من جهة، وفي ظل غياب التركيز على أولوية "الوطني" على "القومي" و"الإسلامي" في المعادلة الفلسطينية من جهة ثانية، وهي الأبعاد التي لا تتحرك في مسار واحد متناغم، ولا تخدم الأطراف الفلسطينية المختلفة بالقدر ذاته.
على أية حال، نحن ما زلنا نراهن على "المناخات" الإيجابية التي تطبع الخطاب الداخلي والخارجي، لقيادات الطرفين، وما زلنا نعوّل على "كيمياء" عباس – مشعل، ونراهن على هذه القناة في تدارك ما تأخر ووصل ما انقطع...ما زلنا نراهن على "الوسيط المصري" في حلّته الجديدة، والذي بات عاملاً إيجابياً بعد ثورة 24 يناير المجيدة، بعد أن كان جزءا من المشكلة وليس سبباً وميسراً للحل.
إن الجميع من دون استثناء، يقفون اليوم أمام استحقاق المصداقية ومحكها...ومن المؤسف أن تفضي المماطلة في التعامل مع الاستحقاقات، إلى تبديد مناخات التفاؤل أو إضعاف قوة الزخم التي اكتستبها قضية المصالحة والوحدة خلال الأسابيع والأشهر القليلة الفائتة....وسيدفع الجميع ثمناً باهظاً إن فوتوا هذه السانحة من دون اغتنامها، خدمة للمصلحة الوطنية الفلسطينية العليا...فلن ينفع السلطة والمنظمة استمرار الرهان على خيار المفاوضات، وهي التي لمست لمس اليد، بؤس العروض الإسرائيلية...ولن ينفع حماس، إن هي ربحت العالم العربي "المتحوّل" وخسرت شعبها الذي تواجه قضيته الوطنية واحدة من أخطر المنعطفات والاستحقاقات....وأقول ذلك، من منطلق الإيمان اليقين، بأن الشعب الفلسطيني لن يغفر ولن يتسامح مع أي طرف، أو مع الأطراف جميعها، إن هي فوتت عليه وعلى كفاحه ومشروعه الوطني، فرصة استعادة الوحدة وإتمام المصالحة.
نأمل أن لا يطول انتظار الشعب الفلسطيني طويلاً، سيما وأن العقبات الجوهرية التي اعترضت طرق المصالحة والوحدة في السابق، قد تبددت، أو هي في طريقها إلى ذلك، وأعني بها عقد البرنامج وأدوات العمل والكفاح وملامح الاستراتيجية البديلة، التي يلحظ كل مراقب، أن أشواطاً عديدة قد قُطعت على طريق بناء توافق وطني عريض حولها، فلماذا التأخير إذن، ولمصلحة من استمرار التسويف والتأجيل والمماطلة؟!.(الدستور)