العدالة الدولية «الجوية»!

تم نشره الأربعاء 11 آذار / مارس 2009 04:44 مساءً
زياد بن عبدالله الدريس

وحين تريّثت عدالة السماء لإنقاذ أهل دارفور جاءت مسرعة عدالة الأرض، على يد المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية لويس أوكامبو، الذي أعلن أنه سيعترض طائرة الرئيس السوداني عمر البشير في المجال الجوي لتنفيذ أمر «سماوي» باعتقاله بتهمة جرائم حرب!

كنا نردّد لسنوات مضت أن الغرب يكيل بمكيالين، الآن سنتوقف عن هذه التهمة ونقول أن الغرب يكيل بمكيال واحد، واحد فقط لــ «الأغيار»، أما الأخيار فهو لا يكيل لهم بل يعطيهم من حنانه ودعمه من دون كيل!
لن أدافع عن الرئيس السوداني إن كان مجرم حرب أم لا، لكنني لا أستطيع أن أتوقف عن الشك في نزاهة محكمة العدل الدولية وأنا أرى كل يوم مجرمي الحروب: أولمرت وباراك وليفني ونتانياهو وهم يتناوبون على احتضان حكماء ومسؤولي الدول الغربية، رعاة العدالة الدولية.

هل يعقل أن محكمة العدل الدولية لم تجد ولا حتى شبهة، مجرد شبهة، في تورط حكام إسرائيل في واحدة فقط من التهم السبع الموجهة إلى الرئيس السوداني بارتكاب جرائم ضد الإنسانية: القتل والإبادة والنقل القسري والتعذيب والاغتصاب وجرائم حرب: تعمّد توجيه هجمات ضد سكان مدنيين لا يشاركون مباشرة في الأعمال الحربية، والنهب؟
في حرب غزة الأخيرة، قامت القوات الإسرائيلية بتعمّد توجيه هجمات ضد سكان مدنيين، ليس في منازلهم فحسب، بل في مدارسهم ومستشفياتهم ودور عبادتهم. أما النهب، فإسرائيل نهبت وطناً بكامله من أيدي شعبه.
إذا كانت لا تنطبق على حكام إسرائيل واحدة فقط من تلك التهم السبع، فنحن إزاء تفسيرين اثنين فحسب: إما أن المحكمة الدولية عادلة، ولكن يقوم عليها أناس غير عادلين. أو أن قانون المحكمة الدولية هو المشكل، وعليه فنحن لسنا بحاجة إلى محكمة عدل لا ترنو إلى العدالة.

ولا يغيّر من نظرتي إلى محكمة العدل الدولية أنها طاردت حكاماً «بيضاً» من الصرب بعد أن ارتووا من دماء البوسنيين والكروات سنين عديدة، ثم لما أوشكوا على التقاعد من الحياة جيء بهم إلى المحكمة ليسجلوا اعترافاتهم أمام «الراهب» الدولي، ويحصلوا على صكوك الغفران!

العدالة الحقيقية هي عدم استثناء أي مجرم من المطاردة، وإذا تم استثناء مجرم واحد فقط، سقطت التهم عن الباقين. وسقطت العدالة!

إسرائيل، تبقى دوماً هي المحك الحقيقي لاختبار العدالة الدولية والمصداقية الغربية. ولذا فلا محكمة عدل دولية ولا منظمة أمم متحدة ولا هيئات دولية تستحق الاحترام وهي ترى هيبتها تمرّغ في الوحل الإسرائيلي.

رصدت صحيفة «لوموند ديبلوماتيك»، النسخة العربية (فبراير 2009) قرارات منظمة الأمم المتحدة التي لم تحترمها إسرائيل، ووضعتها تحت عنوان: «ازدراء للقانون الدولي 1947 - 2009، إفلات يدوم عن أي محاسبة أو عقاب». وقد سردت الصحيفة الفرنسية 35 قراراً للأمم المتحدة بحق إسرائيل منذ القرار رقم 181 في تشرين الثاني (نوفمبر) 1947، وحتى القرار الأخير رقم 1860 في كانون الثاني (يناير ) 2009. هذا عدا عن 39 قراراً لم تمرر لأن الولايات المتحدة استخدمت حق النقض (الفيتو) لمنع صدورها.

وقد فنّد دومينيك فيدال، في الصحيفة نفسها، أكاذيب إسرائيل الشهيرة في تبرير تمردها وجرائمها أمام العالم، ومن أبرزها: دفاع عن النفس، خرق الهدنة، مناهضة السامية، السلام. وعلّق آلان غريش بالقول: «هذا الاحتقار للخسائر المدنية لدى العدو أضحى عقيدة تضطلع بها إسرائيل صراحة».

إذاً فاحتقار قتل وإبادة المستضعفين في فلسطين عقيدة إسرائيلية لا تقلق ضمير محكمة العدل الدولية ولا أجنحة العدالة السماوية لمدعيها العام أوكامبو، الذي يختطف مجرمي الحرب في السموات.. بينما يعانق مجرمي الحرب في الأرض!
من اليوم فصاعداً، سيتوقف ركاب الطائرات عن التحرش بالمضيفات أو التدخين في الحمامات أو سرقة أكسسوارات الطائرة، لأنهم يعلمون أن أوكامبو، مبعوث العدالة الأرضية، يستلقي على السحابة المجاورة للطائرة بانتظار التحقيق واعتقال أي مذنب في الطائرة!

باختصار.. إذا أصدر «المدعي» أوكامبو مذكرة توقيف واعتقال ضد مجرمي إسرائيل، فسنقول له بكل عدالة: يا أوكامبو هذا هو البشير تعال فاخطفه.

الحياة



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات