على هامش الحوار الفلسطيني- الفلسطيني

تم نشره الأربعاء 11 آذار / مارس 2009 04:52 مساءً
د. يوسف مكي

شهد الأسبوع الماضي اجتماع الفصائل الفلسطينية بالقاهرة، في حوار وطني، تحت رعاية الحكومة المصرية بهدف تحقيق المصالحة، والاتفاق على التهدئة. ورغم أن تفاصيل هذه الاجتماعات ليست متوفرة لدينا، ولكن ما رشح من أخبار حتى الآن، يجعلنا نتفاءل بأن ثمة مخرجاً، للأزمة التي استعصت طويلاً على الحل، بين السلطة في رام الله، وحكومة حماس في القطاع.

فقد أشير إلى أنه تم الاتفاق بين الفلسطينيين على تشكيل حكومة من خارج الفصائل، من شخصيات وطنية مستقلة، ملتزمة بالبرنامج الوطني لمنظمة التحرير، أو حكومة يشارك فيها سياسيون لكن ليس على أساس القسمة بين التنظيمات الفلسطينية. وسيكون من مهام هذه الحكومة الانتقالية، تولي إعادة الإعمار في غزة، بالتنسيق مع الدول المانحة، والإشراف على الجانب الفلسطيني فيما يتعلق بالمعابر، والعمل على إنهاء الحصار المفروض على قطاع غزة. وستتولى التحضير للانتخابات، وإعادة بناء أجهزة الأمن على أسس مهنية، وتوحيد أجهزة السلطة في الضفة والقطاع.

والجديد في هذا السياق، أن الحوار الوطني بالقاهرة جرى على قاعدة موافقة حماس والجهاد الإسلامي على برنامج منظمة التحرير الفلسطينية القائم على حل الدولتين. ومن أجل تنفيذ هذه الخطوات، تم تشكيل خمس لجان، تقودها لجنة تنسيق سادسة، للإعداد لتشكيل الحكومة، وحل المشاكل المعلقة، بنهاية شهر مارس 2009. وتشرف الحكومة المصرية على هذه اللجان وتشارك فيها، بأعضاء، لمراقبة سرعة خطوات تنفيذ الآليات التي وضعت لعمل اللجان.

أهمية هذا الحدث، إن جرى الالتزام بما تم الاتفاق عليه، أنه يعيد توجيه البوصلة إلى اتجاهها الصحيح، ويسد الأبواب على المشروع الصهيوني، الهادف إلى منع الفلسطينيين من تحقيق وحدتهم، وإبقاء قطاع غزة معزولاً عن الضفة، إلى حين إيجاد حل يضمن تصفية القضية الفلسطينية برمتها، وإعادة القطاع إلى الإدارة المصرية، كما كان قبل حرب يونيو/حزيران عام ،1967 وهو ما عبر عنه المندوب الأمريكي السابق في الأمم المتحدة جون بولتون، وتسيبي ليفني زعيمة كاديما.

إن وجود كيانين فلسطينيين على الأراضي التي احتلها الكيان الصهيوني في عدوانه عام 1967 سيحول من غير شك، دون تحقيق وحدة النضال الفلسطيني، وسيفتح الباب واسعا أمام فكرة الوطن البديل من جهة، ومن جهة أخرى فإن من شأن ذلك أن يطيل أمد الحصار الوحشي المفروض على الشعب الفلسطيني، واستمرار القطاع معزولاً عن بقية العالم.

ومن جهة أخرى، فإن ضمان نجاح الحوار الفلسطيني، هو في استقلالية أطرافه، وعدم خضوعهم للأجندات الإقليمية أو الدولية. وفي هذا السياق، نذكر بالمخاطر التي قد تحيق بالعملية برمتها، بفعل التدخل الأمريكي السافر، الذي أفصحت عنه وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون. لقد أعلنت كلينتون رفض الإدارة الأمريكية التعامل مع أي حكومة فلسطينية قادمة تكون حماس جزءاً منها، ما لم تعترف بالكيان الغاصب. ولا شك أن تلك التصريحات تمثل تدخلاً سافراً في القرار الفلسطيني، يحجب عنه استقلاليته وقدرته على الفعل.

إن تشكيل الحكومة الانتقالية الفلسطينية ينبغي أن يكون نتاج حوار الفلسطينيين أنفسهم، وليس من خلال ضغوط خارجية. وبالمثل، فإن البرنامج الذي ستتعهد الحكومة الجديدة بتنفيذه هو حاصل تفاعل خلاق تضطلع به كافة مكونات صنع القرار الفلسطيني، وليس إملاء من خارج هذه الدائرة. ومن البديهي أن حركة حماس بما لها من ثقل نضالي وكفاحي على الساحة، سيكون لها قول يعتد به في ذلك. ومن هنا فإن الحرص على وحدة الفلسطينيين، ونجاح الحوار الدائر الآن يقتضي رفضاً جلياً، لتصريحات وزيرة الخارجية الأمريكية، من قبل مختلف الفصائل الفلسطينية، والحكومة المصرية باعتبارها راعية الحوار. وينبغي أن يكون أساس الحوار في كل الأحوال، هو اجتماع الفلسطينيين على قاعدة الكفاح لطرد الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية.
إن بقاء الضفة الغربية وقطاع غزة، بكيانين متصارعين، يشكل دون جدال إسفيناً في وحدة النضال الفلسطيني. والمطلوب أن تقف الأطراف المتصارعة وقفة جريئة، تتخطى مغاليق الجرح، وتعبر إلى ضفة الوحدة، باعتبارها الضمانة لصيانة الدم والكرامة الفلسطينية، والوحدة الفلسطينية.

وينبغي أن يكون حاضرا في الذهن، عند صياغة أي برنامج كفاحي لتحرير فلسطين أن تعقيدات قضية التحرير وتشابكها، وارتباطاتها الإقليمية والدولية، وطول أمدها، جعل منها مسألة مستعصية على الحل. وقد تزامن حضور القضية الفلسطينية في الواقع العربي، منذ بدأت الأمة تلمس طريقها إلى النهضة، قبيل اندلاع الحرب العالمية الأولى. ولذلك أصبحت هذه القضية هوية جامعة للعرب.

وكان تلازم قضية النهضة بمشروع تحرير فلسطين، قد وضع القضية الفلسطينية، في موقع مركزي، وجعل التلازم حادا بين المسألتين. وأصبح بديهيا أن نجاح العرب في حل معضلة أي من المسألتين، يعني بداهة قدرتهم على حل المعضلة الأخرى. ومن هنا أصبح من المتعذر الفصل بين النهضة والتحرير، وبين الوطني والقومي.

إن طغيان الشوفينية الفلسطينية لم يجعل قضية تحريرها تتقدم قيد أنملة، بل أسهم في تشظيها، وأعفى النظام العربي الرسمي، منذ منتصف السبعينات، من مسؤوليته تجاهها، تحت ذريعة أن أهل مكة أدرى بشعابها، وأن القضية بالدرجة الأولى هي شأن فلسطيني. والواقع أن السياق التاريخي للقضية، وموقف الدول الكبرى تجاهها، لم يكن يمنح الرؤية الضيقة للصراع أية وجاهة منطقية. ولعل الفشل الذريع الذي واجهته محاولات التسوية السياسية لهذه المسألة، طيلة العقود الأربعة المنصرمة، وتحيز القوى الكبرى، تجاهها، كما هو تجاه قضية النهضة العربية، هو الذي يمنح التلازم والترابط بين المسألتين مشروعيتهما.

ولا شك أن الضعف العربي، قد أسهم في تحقيق اختراقات إقليمية، أصبحت تشكل عبئا على الأمن القومي العربي، وتهدد سلامته. كما أسهم عجز العرب، وافتقارهم القدرة على إدارة الصراع، في أن يكون البون شاسعا بين كمية الدماء المسفوحة، والتضحيات الجسيمة التي قدمها الشعب الفلسطيني، وبين النتائج السياسية لتضحياته.

فخلال العقود الأربعة المنصرمة، سادت مقولة زائفة، خلاصتها أن العرب عاجزون عن مواجهة العدو، بسبب الخلل في التوازن الاستراتيجي. وأن ذلك هو ما ألجأهم للقبول بقراري مجلس الأمن الدولي، 242 و،338 اللذين تعاملا مع المسألة كقضية أراض متنازع عليها بين الصهاينة والعرب، وليس حق شعب في تقرير مصيره، وإعادة ما اغتصب من أراضيه.

ومع قبول العرب بما أطلق عليه “الشرعية الدولية”، بدأت حقوقهم بالتآكل، وأخذ العدو يتراجع حتى عن شروطه الأصلية لتحقيق سلام مع العرب. ومنذ توقيع كامب ديفيد، أول معاهدة “سلام” رسمية بين نظام عربي وبين الصهاينة، أصبح مألوفاًً، أن يتراجع “الإسرائيليون” عن المعاهدات والمواثيق التي قطعوها على أنفسهم، لصالح التسوية مع العرب.

القراءة الدقيقة لواقع صراعنا مع العدو، توضح، زيف مقولة قدرة العدو الصهيوني على حسم معاركه عسكرياً مع العرب، وتؤكد أن العجز العربي، كان دائما ولا يزال هو في إدارة المعركة سياسيا، وأن الفشل لم يكن في ساحات المواجهة العسكرية.
ففي عام النكبة 1948، كان النظام العربي في طور تشكله، وكانت معظم البلدان العربية تحت الهيمنة الاستعمارية المباشرة. وكانت قيادة الجيوش العربية تحت إمرة ضابط بريطاني. وقد كشفت وثائق تلك الحرب، أن الفشل لم يكن عسكريا، فحسب، بل كان فشلا في مواجهة حضارية.

وفي مواجهة العدوان الثلاثي الغاشم على مصر عام 1956 كان الأداء والتضامن العربي رائعا، وكانت النتيجة نصرا عظيما احتفل به العرب والشعوب المحبة للسلام والحريية.

وتكاد تكون نكسة يونيو1967 هي الحالة الوحيدة، التي كانت الهزيمة العربية فيها كاملة. وكانت تلك الحرب نهاية لمرحلة، وبداية لأخرى في تاريخ العرب المعاصر. ومع ذلك، كانت نتائجها السياسية، متوازنة، جسدتها مقررات مؤتمر القمة العربي بالخرطوم، بعد شهور قليلة من النكسة، والذي انتهى بلاءات ثلاث عريضة: لا مفاوضات ولا صلح ولا اعتراف.

منذ نكسة يونيو حتى تاريخه، لم يتمكن الكيان الصهيوني من حسم أية مواجهة مع العرب، بالخيار العسكري وحده. بل ربما أمكننا القول إنه في مجمل المعارك التي دارت بين العرب والعدو لم يتمكن الصهاينة، من حسم معركة واحدة، بالحل العسكري لصالحهم.

هذه المسلمات ينبغي أن تكون حاضرة في الحوار الفلسطيني – الفلسطيني، لكي لا يتحول الثمن السياسي لصمود شعبنا في غزة البطلة، فتحاً للمعابر، وإلغاء للحصار، وتختزل المسألة من قضية تحرير إلى مسألة إنسانية بحتة، ليس لها صلة بنضال هدفه الأساس طرد الاحتلال وتحرير الأرض.

العربية . نت



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات