تغيير حقيقي في الشّرق الأوسط أم ان كل شيء على حاله؟

تم نشره السبت 14 آذار / مارس 2009 04:51 مساءً
باتريك سيل

سينجح الرئيس باراك أوباما في حلّ النزاع العربي - الإسرائيلي المستعصي الذي أسر العالم على مدى السنوات الستين الماضية؟ أم ستدفعه الأحداث للعودة إلى أكثر الأهداف تواضعاً التي تميزت به سياسات الرؤساء الذين سبقوه في البيت الأبيض، وهو إدارة النزاع؟

كان هذا السؤال المهمّ موضوع المؤتمر الدولي الرفيع المستوى الذي عقد في كلية الدفاع التابعة لحلف شمال الأطلسي في روما في 4 و5 آذار (مارس) الجاري بحضور مشاركين من الشرق الأوسط والولايات المتحدة وأوروبا.

ونتج عن النقاش الذي دار على مدى يومين ما يلي: فيما يبدو أن العرب ينتظرون الكثير من أوباما، يعتبر معظم الاسرائيليين والأميركيين أن \"الوقائع على الأرض\" قد تحدّ ما يقدر على تحقيقه وتوصل الجميع إلى خلاصة متشائمة مفادها أنه من غير المرجح أن يكون اوباما قادراً على فرض السلام.

ويتركز اهتمام المجتمع الدولي حالياً على زعيم حزب «الليكود» بنيامين نتانياهو المكلف بتشكيل الحكومة الإسرائيلية المقبلة. وكان خيار نتانياهو الأول هو تشكيل حكومة وحدة وطنية مع حزب «كاديما» وحزب العمل، على أمل أن تقدّم هذه الحكومة صورةً معتدلةً وأن تكون قادرة على التعامل بشكل أفضل مع الضغوط الأميركية ، لكن رفضت كل من تسيبي ليفني زعيمة «كاديما» وإيهود باراك زعيم حزب العمل، الانضمام إلى ائتلاف نتانياهو، ربما لأنهما اعتبرا أن حكومة ضعيفة تنتمي إلى اليمين لن تستطيع البقاء طويلاً، مما يعطيهما فرصةً لتسلّم السلطة في وقت لاحق.

وهكذا اصبح نتانياهو تحت رحمة الأحزاب الدينية الصغيرة وشركاء الائتلاف الذين ينتمون إلى اليمين المتطرف مثل أفيغدور ليبرمان رئيس حزب «إسرائيل بيتنا» وبسبب ذلك ستكون حريته في التصرف في المسائل الخارجية والداخلية محدودة ،أما المعضلة التي سيواجهها، فهي كيفية التوفيق بين الضغوط الأميركية الهادفة إلى التفاوض مع الفلسطينيين وسورية وبين ائتلافه المحدود، فهل يستطيع أن يتفادى حصول خلاف مع الولايات المتحدة وأن يصمد سياسياً؟

من المتوقع أن يبحث نتانياهو عن مخرج من هذه المعضلة من خلال التروي في المسائل المتعلقة بفلسطين وسورية ومن المؤكد أنه لن يوافق على الدخول في مفاوضات الوضع النهائي مع الفلسطينيين وهي مفاوضات طالما عارضها. كما أنه لن يكون مستعداً للتوصل إلى سلام شامل مع سورية بما أن ذلك قد يتطلب انسحاباً كاملاً من هضبة الجولان.
 
وسيقدم نتانياهو إلى الفلسطينيين \"سلاماً اقتصادياً\" كما كان رائجاً أخيراً، أي أنه سيعمد إلى تحسين أوضاعهم الاقتصادية من خلال إعطائهم حريةً أكبر في التحرك في الضفة الغربية وفي الدخول إليها بمعنى آخر، لن يقدّم إلى الفلسطينيين اتفاقاً حول الوضع النهائي بل \"ترتيبات\" ذات طبيعة عملية.

وقد يقترح على سورية التوصل إلى اتفاق عدم اعتداء عوضاً عن سلام شامل وانسحاب كامل، مع ربط ذلك بانسحاب إسرائيلي من القطاع الشمالي للجولان وهي منطقة يسكنها الدروز ولا وجود للمستوطنين الاسرائيليين فيها.
 
ويشك عدد قليل من المراقبين في أن يتحمس البعض في فلسطين وسورية لهذين الاقتراحين أو يقبلهما لكن يبدو أن نتانياهو ليس في عجلة من أمره كي يحقق السلام فهو يعتبر أن جيران إسرائيل لم يقبلوا بالسلام بعد ويجب بالتالي أن يأخذ موقفاً حازماً إلى أن يغير جيرانه رأيهم.

ومن المرجح أن تنتج عن هذا السلوك فترة اضطراب في العلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة ، فإسرائيل بدأت تخسر شيئاً من علاقتها الحميمة مع الادارة الاميركية، ولا تستطيع أن تنتظر موافقة كاملة على المضي في مغامراتها العسكرية، فالعلاقة مع واشنطن على المحك ويبدو أن بعض المسائل قد يتسبب بمزيد من التوتر.

- من المرجح أن تكون المستوطنات في الضفة الغربية مصدر خلاف ويكمن السؤال في ما إذا كانت الولايات المتحدة ستصرّ على تجميد فوري للمستوطنات وإزالة مراكز الاستيطان، علماً أن ذلك سيكون بمثابة اختبار حقيقي لسياسة أوباما.

لكن المشكلة هي أنه حتى لو تمّ إقناع نتانياهو بإزالة بعض المستوطنات وهو أمر غير مرجح حصوله، فقد تنهار حكومته في حال حاول القيام بذلك ثانياً، من الصعب وربما من المستحيل على أي حكومة إسرائيلية أن تستخدم الجيش لإزالة المستوطنات لا سيما أن 30 إلى 40 في المئة من ضباط الجيش الاسرائيلي لهم خلفيات دينية وقد يقفون إلى جانب المستوطنين ويبدو أن هذا الواقع يلغي احتمال حصول أي تقدم نحو السلام مع الفلسطينيين في السنوات القليلة المقبلة.

- طلبت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون خلال الزيارة الأخيرة التي قامت بها إلى المنطقة، من إسرائيل فتح نقاط المعابر المؤدية إلى قطاع غزة بهدف السماح ببدء عملية إعادة الاعمار. وينصح البعض في أن تشرك الولايات المتحدة حركة «حماس» عوضاً عن مقاطعتها ،إلا أن نتانياهو لا يرغب في أن يتعامل مع حكومة «حماس»، فهو يفضّل استخدام القوة للقضاء عليها. ولا شك أن ذلك سيكون مصدراً آخر للتوتر مع الولايات المتحدة.

- فتحت الولايات المتحدة حالياً قنوات مع سورية ويبدو أنها تريد أن تشجع المفاوضات الاسرائيلية السورية مع مشاركة أميركية ، ويكمن هدفها في التوصل إلى سلام كامل إسرائيلي - سوري بغية إراحة سورية من قبضة إيران. لكن هذا الهدف الأميركي يتعارض مع هدف نتانياهو في التوصل إلى اتفاق عدم اعتداء مع دمشق.

- وقد تكون إيران المصدر الأكبر للتوتر في العلاقات الأميركية - الاسرائيلية، حيث يملك كل من الولايات المتحدة وإسرائيل أولويات استراتيجية مختلفة على هذا الصعيد ، فإسرائيل لا تعارض الحوار الأميركي - الإيراني لكنها تريد أن تفرض محتواه وإطاره الزمني ، ويبدو أن المتشددين الاسرائيليين، لا سيما نتانياهو، يعتقدون أن إسرائيل ستكون مستعدةً لمهاجمة منشآت إيران النووية مهما كان الثمن بذريعة أن ذلك سيكون أفضل من السماح لإيران بحيازة الأسلحة النووية ، إلا أن أوباما يعارض استخدام القوة ضد إيران سواء من جهة الولايات المتحدة أو إسرائيل. فهو يعي أن أي هجوم إسرائيلي ضد إيران قد يتسبب بضرر كبير على المصالح الأميركية.

ونتيجةً لهذه الاختلافات الكبيرة، ثمة شك كبير في الشرق الأوسط في أن ينجح أوباما في إحلال السلام بين إسرائيل وجيرانها وسيعتمد ذلك على الطريقة التي ستتعامل بها إدارة أوباما مع إسرائيل ، ويبدو أن لا مفرّ من حصول توتر بين الحليفين، مما قد يشير إلى تغيير في شكل العلاقة مع الولايات المتحدة من دون أن يؤثر ذلك على جوهر العلاقة ، فهناك عدد قليل من المراقبين يعتقد أن علاقة أميركا مع إسرائيل ستتأثر في العمق.

على أي حال، يرى معظم الاسرائيليين أن الأزمة الاقتصادية ستستحوذ على طاقات أوباما إلى حدّ أن الشرق الأوسط لن يحتل الأولوية في السياسة الأميركية كما يرغب معظم العرب.

* كاتب بريطاني متخصص في قضايا الشرق الأوسط

الحياة



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات