القمة فرصة أخيرة للأمة؟!

تم نشره الإثنين 16 آذار / مارس 2009 04:56 مساءً
عرفان نظام الدين

أيام قليلة وتنعقد القمة العربية السنوية المنتظرة في الدوحة، ونحن نضع أيدينا على قلوبنا خوفاً عليها من الفشل ورعباً من نتائجه الوخيمة على مجمل القضايا العامة والخاصة، وعلى الحاضر والمستقبل واحتمالات بدء مرحلة جديدة من الصراعات والأزمات والحروب.

الكل يحبس أنفاسه بانتظار هذا الحدث الاستثنائي بسبب توقيته ومجمل الظروف والارهاصات التي تحيط به وتلح عليه من أجل الخروج عن المألوف وتكذيب المخاوف والهواجس والكوابيس ومنح المواطن العربي فسحة أمل يرتاح فيها ولو لبرهة من عناء آلام وعذابات السنين الماضية الحبلى بالنكبات والكوارث والاخفاقات.

إنها قمة الفرصة الأخيرة للعرب وكيانهم وهويتهم وقضاياهم ندعو الله ان يكون القادة العرب على مستوى هذه المسؤولية التاريخية وأن يتساموا فوق الخلافات والحساسيات من رواسب الماضي ويتخذوا القرارات الحاسمة والحازمة ويعودوا الى سياسة التضامن وفضيلة الإجماع مهما بلغت التضحيات.

قد يقول قائل ان هذه الاسطوانة مكررة و «مشروخة» وإننا رددناها عشرات المرات عند انعقاد القمم السابقة، «فمن جرب المجرب كان عقله مخرب»، كما يقول المثل، فقد أسفرت في مجملها عن فشل ذريع إما بسبب عدم الاتفاق على القرارات المطلوبة أو لأن القرارات المتخذة تبخرت قبل ان يجف حبر تواقيع القادة عليها أو لأنها رميت في سلة المهملات أو في أدراج النسيان وأرشيف الفعل الماضي الناقص، وإما لأن القمم لم تضع آلية تنفيذ لقراراتها وجداول زمنية تكفل المضي فيها وانجازها بلا مماطلة ولا تأخير.

ولا نملك إلا ان نعترف، استناداً الى تجارب الماضي بأن كل القمم المنصرمة عقدت في مراحل حرجة ومصيرية، وان كل القرارات لم تنفذ، وان الخلافات والصراعات شلت العمل العربي المشترك، وأننا كنا نتفاءل دوماً وننتظر انعقاد قمة جديدة لتحمل الينا البشرى بالحل وتمنحنا حفنة من الآمال بمستقبل أفضل وغد آمن، لكن ساعة الحقيقة كانت تصدمنا فينقلب التفاؤل الى تشاؤم وتتحول الآمال الى خيبات أمل جديدة تضاف الى سابقاتها.

لكن هذا الاعتراف لا يعفينا من خوض غمار التجربة مرة أخرى، وربما أخيرة لأن الوضع العربي خطير ومتفجر، والظروف الاقليمية والدولية متأججة ومستعدة لدخول مرحلة التغيير ورسم قواعد لعبة جديدة نأمل ان لا تأتي على حساب العرب ومصيرهم وحاضرهم ومستقبلهم ودورهم كقوة اقليمية فاعلة كانت تملك معظم الأوراق فخسرتها بسبب الخلافات والتقاعس واللامبالاة، أو سحبت من أيديها من قبل قوى اقليمية أخرى طامعة بالهيمنة أو عاملة على اثبات وجودها وفرض رأيها في كل حدث من أحداث المنطقة وفي كل مكان وزمان.

قمة الفرصة الأخيرة ايضاً لأن طريق المصالحة قد مهد أمامها وترك لها تحديد أمر وضع صيغة إتمام الفرحة وتحقيق المرتجى بعد ان نجح خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في طرح مبادرته للمصالحة والتسامي فوق الخلافات والتضامن في مواجهة المخاطر بعد حرب غزة الظالمة التي ارتكب فيها العدو الصهيوني المذابح والانتهاكات والجرائم ضد الانسانية ومارس حقداً أعمى تمثل في الاستخدام المفرط لأسلحة القتل والحرق والدمار.

فقد انكسر الجليد في قمة الكويت الأخيرة وفتح الباب على مصراعيه نسيان الماضي وإتمام المصالحات لإعادة الزخم الى العمل العربي المشترك الشامل والى التنسيق والتعاون الكامل بين مصر وسورية والسعودية الذي اثبت في الماضي جدواه ونجاعته وأسفر عن انتصارات ونجاحات كبرى مشرفة أبرزها انتصار حرب السادس من تشرين الأول (اكتوبر) 1973 التي أثبتت ان قرار الحرب والسلم لا يجوز التفرد به من أي دولة أو جهة وان الاعتصام بحبل الله وعدم التفرق هو سبيل النصر الحقيقي.

إلا ان مجرد الحديث عن المصالحات بعيداً عن وضع الأسس السليمة والواضحة يخلف نتائج عسكية وسلبية، إذ لا بد من مصارحة تامة بعقول منفتحة وقلوب مفتوحة ونيات صافية لمعالجة أخطاء الماضي ووضع خطط لدرء أخطار المستقبل. فلا مصالحة حقيقية بالعناق «وتبويس اللحى» كما كان يجري في الماضي، بل مصالحة رجال مع عهد صادق على الالتزام بالاتفاقات والوفاء بالوعود وتغليب مصلحة الأمة على المصالح الخاصة والضيقة والمشاركة في رأب الصدع ومعالجة اي خلاف طارئ والاتفاق على مواقف موحدة تواجه العالم كله وتثبت الجدية في التعاطي والحزم في العلاقات مع الدول المعنية بأوضاع المنطقة واثبات كذب ادعاءات البعض بأن العرب غير جديين وان قراراتهم ليست سوى مجرد حبر على ورق.

فالمصالحة إذن هي الهدف الأول للقمة العتيدة ومن دونها لن يصطلح حال ولا يمكن البناء على اي موقف أو قرار، لأن استمرار الخلافات يعني الضياع والمزيد من الانتكاسات والهزائم والنكبات، علماً ان الأحداث اثبتت ان قوة اسرائيل المزعومة تتكرس بضعف العرب وتشتتهم أكثر من توفر العوامل المكونة لهذه القوة، ولهذا جاء الحديث عن فرصة اخيرة للأمة في هذه القمة لأن البديل كارثي بكل معنى الكلمة يدق آخر مسمار في نعشها، لا قدر الله، ويقضي على آخر أمل بإنقاذ ما يمكن انقاذه وانتشال العرب من مستنقع الفناء والإنهيار. مع هذا علينا ألا نبالغ أو ننتظر عصا سحرية تحل كل المشاكل وتزيل كل الخلافات، فالمأزق الراهن صعب ومعقد ومتشعب تتداخل فيه خيوط عربية واقليمية وأجنبية عدة. ففي السياسة الواقعية لا يوجد مبدأ «كن فيكون»، بل هناك خطوات مبدئية تؤدي إلى طريق الحلول والانفراجات على مدى سنوات، وربما عقود، لكن المهم أن الصرخة الأولى انطلقت من الكويت والخطوة التالية مطلوبة في الدوحة ومن بعدها تكتمل الخطوات ليقال «إن أول الغيث قطر ة ثم ينهمر»، على ما يأمل ويتمنى كل عربي مخلص.

وهذا يتطلب التمهيد وتكثيف الاتصالات وربما عقد قمم مصغرة من الآن وحتى موعد انعقاد القمة السنوية المعتادة المقررة في أواخر هذا الشهر، مع الأخذ في الاعتبار التطورات المصاحبة والمخيمة على أجوائها وهي على سبيل المثال لا الحصر: -

* الزلزال الكبير الذي وقع في المنطقة نتيجة للحرب على غزة وبالتالي مصير السلام ثم في الشرخ الذي اصاب العلاقات العربية - العربية واحباطات الجماهير العربية.

وكل هذا يستدعي المسارعة إلى وضع سلم أولويات أو حال طوارئ تبدأ بالحفاظ على التهدئة ومنع تجدد العدوان، لا سيما في ظل الحكومة الجديدة في إسرائيل المتوثبة للانتقام، ثم في دعم مسيرة الحوار الفلسطيني - الفلسطيني، وصولاً إلى مصالحة حقيقية واضحة تمهد لتشكيل حكومة وحدة وطنية تشرف أولاً على القضية المستعجلة، وهي إعادة الإعمار وإسكان المشردين ورعاية الضحايا ثم تعمل على اجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية تنهي آفة ازدواجية السلطة وصراع الحركتين بحيث تختار الجماهير الفلسطينية من تريده لقيادتها في المرحلة الراهنة أو يختار الفرقاء العودة إلى الوفاق وتوحيد الصف في ظل سلطة وطنية واحدة.

* نتائج الانتخابات الإسرائيلية وقيام حكومة جديدة برئاسة نتانياهو، ما يعني أن عملية السلام ستشهد صعوبات كبرى في المستقبل على رغم الإعلان عن الرغبة باستئناف المفاوضات. ولمواجهة هذه الحقيقة لا بد من وحدة فلسطينية ثم من موقف عربي موحد يحسم أمر المصالحات الفلسطينية - الفلسطينية والعربية - العربية ويقف وراء المبادرة العربية للسلام كفريق واحد للمطالبة بالتعامل معها بجدية خلال فترة زمنية محددة تُرفع بعدها من التداول، وليكن ما يكون وليتحمل الجانب أو الأطراف المعرقلة المسؤولية الكاملة عما سينجم عن انهيار استراتيجية السلام التي تبناها العرب منذ أكثر من 6 سنوات.

* التغيرات الدولية المتسارعة وآخرها قدوم إدارة أميركية جديدة بقيادة الرئيس باراك أوباما والتي أعلنت أنها ستعمل على التغيير على نقيض سياسة سلفه جورج بوش وتعهدت بالسعي الجدي لإحلال السلام في المنطقة على اساس حل الدولتين، من دون تجاهل المبادرة العربية، علماً أن معظم الأطراف الدولية من روسيا إلى فرنسا وأوروبا، وحتى إسرائيل، صارت تتعامل مع هذه المبادرة كأمر واقع قابل للتفاوض.

* تراجع الدور العربي الاقليمي بصورة عامة وفي القضايا العربية بشكل خاص لحساب قوى اقليمية رئيسية هي إيران وتركيا وإسرائيل لدرجة عدم استبعاد بعض المحللين لقيام نوع من التناغم بينها تجديداً لحلف بغداد القديم.

ولا يخفى على أي مراقب ملاحظة هذا الانحدار المتزايد في الدور العربي منذ بداية هذا القرن، ولا سيما في السنوات الثلاث الماضية. وهناك إمعان في محاربة كل ما هو عربي والتقليل من شأن الدور العربي وتدخل القوى الاقليمية في كل شاردة وواردة في شؤون الشرق الأوسط، متجاهلة العرب وهم اسياد المنطقة على مدى التاريخ ويشكلون أكبر الدول عدداً وأكثرها ثراء وإمكانات وطاقات.

وبكل أسف اننا فتحنا أعيننا على حلم الوحدة العربية، فإذا به يجهض ثم يتحول إلى كوابيس: تنازلنا فقبلنا بالتضامن العربي، وتواضعنا فرضينا باتفاق الحد الأدنى واليوم صار مجرد لقاء أخ وأخيه حلماً وهدفاً ومرتجى، نصفق له ونبتهج ونتبارى في وصف شكل المصالحات ودوافعها ونتائجها. حتى الجامعة العربية نجد اليوم من يحاول تحطيمها والاساءة إلى سمعتها والاستهتار بوجودها والاستخفاف بدورها والتشجيع على مهاجمتها وإحداث شرخ بينها وبين الجماهير العربية.

ولا نقول إن الجامعة العربية للعرب مئة في المئة، أو إنها كاملة الأوصاف والأدوار، ولكن يمكن الجزم بأنها مرآة الواقع العربي وصورة مصغرة عن الأوضاع والخلافات والشوائب والسلبيات والصراعات. ويناقض البعض نفسه عندما يطالبها بالانحياز لهذا الفريق أو ذاك ثم يطالبها بالحياد أو يشكك في نزاهتها ويرمي أمينها العام عمرو موسى بالسهام والاتهامات مع أن الواجب يفرض علينا أن نعمل على حمايتها ورعايتها وصون كرامة القائمين عليها، لأنها تمثل البيت الوحيد الذي يجمع العرب في عهد الفرقة والتشرذم والانهيارات، كما أنها تبقى الجدار الواقي الذي يلجأ إليه جميع الأطراف عندما تقع الواقعة أو عندما يتطلب الأمر قراراً عربياً موحداً على رغم كل ما عليها من مآخذ.

وها نحن ننتظر بفارغ الصبر ما ستؤول إليه قمة الفرصة الأخيرة، فالمسرح معد للعمل، والطرق ممهدة للحل، والخطوات الأولى اتخذت للمصالحات، ولم يبق على القادة سوى التشمير عن سواعدهم وتحكيم ضمائرهم لاتخاذ القرارات المصيرية ووضع آلية تنفيذ وجدول زمني. أما البديل فرهيب وخطير ومرعب على صعيد القضية والمصير. والأيام التالية ستكون، في حال الفشل، أشد مرارة وإيلاماً وسيدفع ثمنه الجميع من دون استثناء ولن ينجو منه أحد!!

الحياة



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات