ما لم يقله هيكل !!

المرة المقبلة سيطلُّ محمد حسنين هيكل من خلال شاشة هذه الفضائية ، التي ينطبق عليها المثل القائل : الولد السيىء يجلب الى أهله العار والمسبة ، ليتحدث عن حادثة التحكيم الشهيرة في التاريخ الإسلامي بين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان وسيروي مستعيناً بملفات يرفعها أمام الكاميرا من دون أن يعرف أحد ما فيها كيف ان عمرو بن العاص قد إنتحى به جانباً وأسر له بمضمون الخديعة التي أوقع فيها أبو موسى الأشعري كي يخلع صاحبه مثل خَلْع خاتمه من خنصر يده .

لا أكثر كذباً من شايبٍ ضاعت إجياله ولا من شابٍ تغرَّب وربما بالإمكان تصديق ما نسبه هيكل الى الوثائق المصرية الرسمية ، التي إختلسها عندما كان أحد مراكز القوى في عهد عبدالناصر والتي يجب ان يحاسب على إختلاسها والإتجار بها وبيعها لفضائية ، ستكشف مقبلات الأيام حقيقة سبب إنشائها وما هي مهمتها ولحساب مـن تقوم بهذه الخدمات المشبوهة ، لكن لا يمكن تصديق ان قائداً عربياً بحجم الملك حسين وإنشغالاته ذهب ليبحث عن غرفته ، أي غرفة هيكل هذا ، بين طوابق أحد الفنادق اللندنية ثم قرع بابها وطلب منه ان يلحق به ليتناولا طعام الإفطار معاً .. أليس هذا مضحكاً ألم يكن بإمكان الملك حسين ان يكلف بمهمة هذه الدعوة أحد مرافقيه أو أحد حراسه .. ألم يكن بإمكانه ان يتصل به هاتفياً بدل ان يتجشم وعثاء البحث عن غرفته في فندق كبير متعدد الطوابق .

في كل الأحوال ربما أن بعض الذين إستمعوا الى هيكل وهو يُنصِّب نفسه حكماً على التاريخ ، منذ طوفان النبي نوح عليه السلام وحتى الآن ، لا يعرفون أن كل الملفات التي كانت موضوعة أمامه والتي دأب على الإستشهاد بها هي مجرد خدع تصويرية لإيهام عباد الله ان كل ما يقوله هو من إبداعاته الخاصة مع ان الحقيقة ان ما رواه وما قاله بإستثناء الشتائم والإفتراءات والوقاحات أيضاً هو ما تضمنه كتاب البرفسور آفي شليم : أسد الأردن الذي أصدره هذا الأستاذ في جامعة أكسفورد الشهيرة باللغة الإنكليزية ونشرت منه صحيفة الشرق الأوسط اللندنية قبل صدوره عشر حلقات بعد ترجمته الى اللغة العربية .

حتى بالنسبة لتلك الزيارة المفاجئة التي قام بها الملك حسين الى القاهرة حيث وصل على متن طائرة كارافيل كان قادها بنفسه الى قاعدة الماظة العسكرية صبيحة الثلاثين من أيار ( مايو ) 1967 أي قبل خمسة أيام فقط من عدوان حزيران ( يونيو ) فإن كل التفاصيل التي تحدث عنها هيكل مع إضافة بعض الإختراعات التشويقية والتسويقية قد وردت في هذا الكتاب : أسد الأسد الذي إعتدى عليه هذا الكاتب الذي كان دوره تسويق الإفتراءات التي كانت تلصق بكل من كان يبدي إعتراضاً على بعض التوجهات الناصرية ومن بينهم كل قادة حزب البعث ميشيل عفلق وصلاح البيطار وأكرم الحوراني وأمين الحافظ وعلي صالح السعدي .. و لاحقاً أحمد حسن البكر ومن بينهم أيضاً الملك الحسن الثاني والملك فيصل بن عبدالعزيز والحبيب بورقيبة وهواري بومدين .

كان يجب ، لو ان محمد حسنين هيكل يتحلى بأدنى مستوى الأمانة التاريخية ولو أنه لا يعاني من عقدة الأردن والأسرة الهاشمية ، ان تُؤخذ تلك الزيارة المفاجئة ، التي جاءت بينما الخلاف مع عبدالناصر كان في ذروته ، كدليل على ان الهم القومي لدى الملك حسين كان فوق كل الحسابات الشخصية وأن إستشفافه لحرب وقعت بعد أيام قليلة كان يستبعدها عبدالحكيم عامر ويستبعده غيره من رموز المرحلة الناصرية يدل على حسٍّ قيادي مرهف وعلى ثقافة سياسية عالية وعلى لياقة قيادية رفيعة فالقائد هو الذي يستشرف المستقبل قبل ان يصبح حاضراً وهو الذي يملك معطيات لا يملكها غيره .

لقد تقصد هيكل ، إنسجاماً من نفسيته المريضة ومع ضميره الذي يحمل لافتة تحمل كلمة لـ الإيجار ، ان يغفل جانباً في غاية الأهمية ورد في كتاب آفي شليم : أسد الأردن يتعلق بتطورات مرحلة ما قبل حزيران ( يونيو ) العام 1967 وهو ان الملك حسين كان يدرك بحسه القيادي الرائع ، ومن خلال المعلومات التي يجب ان تتوفر لأي قائد يستحق ان يكون مسؤولاً عن مصير شعب وقضية أمة ، ان الإسرائيليين كانوا يعــرفون بعملية زرع لغم السموع هذا قبل زرعه وهي عملية ثبت ان التخطيط لها تم بمعرفة جهاز مخابرات عربي من المفترض ان هيكل كان على إطلاع بكل ما يقوم به ويفعله ولكنهم ( الإسرائيليون ) تركوا الأمور ولم يتصدوا لهذه العملية وإحباطها قبل ان تقع لأنهم كانوا قد قرروا إحتلال الضفة الغربية ولأنهم كانوا بإنتظار حجة للقيام بما كانوا قد إتخذوا قراره بصورة نهائية .

كان يجب ان يتوقف هيكل ، لو ان أدنى مواصفات المؤرخ تتوفر فيه ولو أنه لا يعاني من عقدة ضد هذا البلد وضد الهاشميين وهي عقدة كان يعاني منها الملك فاروق وبقي يعاني منها كثيرون غيره ، عند حادثة السموع هذه ولماذا جرى تنفيذ تلك العملية بينما كانت إسرائيل تنتظر حجة لإحتلال الضفة العربية التي إحتلتها بعد نحو ستة شهور .. ولماذا تورطت مخابرات إحدى الدول العربية بعمل كان يريده الإسرائيليون لتبرير تلك الحرب الحزيرانية التي إحتلوا فيها بالإضافة الى باقي ما تبقى من فلسطين جزيرة سيناء كلها حتى قناة السويس وهضبة الجولان السورية .

هناك أحداث يجب ألا تترك لألاعيب هيكل وإفتراءاته وأكاذيبه ولا لهذه الجزيرة التي ستكشف الأيام حقيقة الدور الذي تقوم به وحقيقة الغاية التي أوجدت من أجلها .. ثم وإن ما يحسب للملك حسين ، رحمه الله ، إنه كان صادقاً وكان شجاعاً عندما تحدث عن هذه اللقاءات مع الإسرائيليين بينما قام غيره بأكثر منها بعشرات المرات لكنه لم يتحل لا بالصدق ولا بالشجاعة وركب أمواج المزايدات والشعارات للتغطية على ما كان يقوم به تحت ستار من السرية وبعيداً عن الأنظار .

الرأي