في مكافحة الفساد!

المدينة نيوز - لجان التحقيق العديدة التي لو استمرت تتوالد في مجلس النواب لأصبح عددها بعدد اعضاء المجلس.. جرى الانتباه لمخاطر تعددها وحتى لأساليب عملها غير المهنية حين كانت تستعجل اطلاق الاحكام وتتحول من التحقق وجمع المعطيات الى دور القاضي وهو ما دعا رئيس مجلس النواب عبد الكريم الدغمي بحكم وعيه السياسي والحقوقي وتجربته الى وقف هده التداعيات وحل كثير من هذه اللجان واعادة تحويل عملها للمركز ( مجلس النواب ) والى القضاء وابقاء البعض منها تحت طائلة المعاينة ..
بدأت بعض هذه اللجان تعمل على طريقة اضرب واهرب أو تخبط خبط عشواء وكأنها ميليشيات تريد أن تلقي القبض على هذا أو تدين هذا ادانة ميدانية دون انتظار..
لا يحارب الفساد هكذا وما جرى في معظمه اقرب الى «ادخال الفيل الى دكان زجاج» والى غياب المهنية وهذا الثمن ندفعه لاننا ما زلنا نحارب الفساد بادوات قديمة وبعقلية ردة الفعل التي اصابت الرأي العام بصدمة قوية حين لعبت وسائل الاعلام المختلفة والاشاعات دورا رئيسا في اظهار البلد وكأنه فاسد وجعل كل انجاز مصابا بالفساد وراحت موجة خلط الاوراق وتعميم الاتهامات تزحف لتغطي مساحات واسعة وتظهر وكأن الفساد تقف وراءه كتل ومجاميع منتفعة اي انه منظم واقرب الى عمل المافيا ... الامر ليس كذلك ابدا .. نعم هناك فساد متعدد الاشكال بعضه عن سوء نية وبعضه وقع نتاج اجتهاد وارتجال وغياب تغطية قانونية كافية , واذا اردنا لكرة الثلج المتدحرجة في محاربة الفساد والتي راحت تكبر وتجرف في طريقها الكثير ان تتوقف لصالح اسلوب اخر في مكافحة الفساد يصون ولا يدمر فان النموذج الذي رأيناه في النقاشات الاخيرة للحكومة الأخيرة وجعل البرلمان نفسه يعيد النظر في عمل اللجان نفسها يمكن ان يكون بداية موفقة للخروج من الحالة التي اصبحت كالحلقة المفرغة او حالة حوار الطرشان.
على الحكومة ان تبدأ باسم الدولة وباسم كل الحكومات السابقة ان تلعب دورها في هذا السياق كما رأينا البداية امس الأول وان تجيب على كل الاسئلة المثيرة للشكوك او التي يجري استغلال اجاباتها التي يفصلها البعض على هواه لأجندات معينة باتت مكشوفة .. فاستمرار صمت الحكومات وعدم الدفع بالمعلومات الحقيقية او كشفها او تصحيح الخاطئ منها يراكم احتقانات في الرأي العام والشارع وتجعل مواقف هذا الشارع ملتهبة وقابلة للتفجر او الخروج لتصفية حسابات او الارتجال بوضع الامور في نصابها بعيدا عن القضاء والقانون واستكمال شروط التحقيق ..
حان الوقت لوقف كل اشكال التداعيات التي تلحق ضررا بسمعة البلد وسيرته وتهدم في اساساته وجدرانه وتنخره بالاشاعات والتشكيك . وحان الوقت لندافع عن الانجاز القائم دون ان نغمض العيون عن الفساد واقعا وممارسات والذي ما زال يسري ويقوم باشكال مختلفة منها اشكال مكافحة الفساد نفسها ببعض الاساليب المتبعة المعتمدة على المزاج..
لنتوقف عن محاكمة عهد كامل بما فيه ولتوضع خطوط نتوقف عندها ولنعد قراءة واقعنا بعقل ورؤوس باردة حتى لا يأخذ الانفعال الاهداف التي نريدها بعيدا ..
لنبدأ في تحديد القضايا اولا ولندرك ان الحرب على الفساد لا تتم بيوم وليلة ولا تحسم بمعركة واحدة فاشكال الفساد عديدة وبعضها عميق الجذور وبعضها الاخر يترعرع اذا ما استمرت بعض الوسائل المتبعة تستعمل والاهم من حرب الفساد هو الحفاظ على الوحدة الوطنية وترابطها والتوقف عن هدم الثقة وتبديدها بين الشعب ومؤسساته والدولة ومرافقها ..
الفساد يحارب بالاصلاح السياسي الذي تأخرت معطياته ومكوناته وقدراته على ذلك . فلو اننا بنينا اصلاحا سياسيا تراكميا ومبكرا ما كان للفساد ان يستشري ولذا فان اقامة اصلاح سياسي الان وبسرعة وعمق ودون مصادرة او تأجيل او مواربة هو الحرب الحقيقية على الفساد والذين يريدون الاستمرار في الحرب على الفساد وبصورة الفزعة والاتهامية والهدم السريع وتنفيس الاحتقانات انما يريد الهرب من فاتورة الاصلاح السياسي لأنها قد تكلفهم اكثر مما تكلفهم الحرب على الفساد ...
(الراي)