صورة مجتمعنا كما عكستها مرآة «قانون الانتخاب»!

إذا اردت أن تعرف ماذا يحدث في بلدنا، ارجوك حدّق في الصورة التي تعكسها “مرآة” قانون الانتخاب الذي وصل من الحكومة إلى مجلس النواب: خذ مثلاً تصريحات رئيس الوزراء التي أكد فيها أنه شخصياً يميل إلى قانون 89، وأن ما انجزته الحكومة هو مجرد “صيغة” توافقية يمكن تطويرها، وما أفهمه – هنا – أن الرئيس غير مقتنع تماماً بما قدمه، ولكنه مضطر للدفاع عنه، خذ – ايضاً – الاستطلاع العاجل الذي أجراه مركز الدراسات الاستراتيجية حول القانون، حيث أفاد (60%) من المستطلعين انحيازهم للصوت الواحد، وخذ ثالثا “المسيرات” التي انطلقت (الجمعة) في معظم المحافظات “لنعي” القانون والتلويح بمقاطعة الانتخابات، ومن المفارقات أن المشاركين فيها توزعوا على مختلف التيارات السياسية من الاسلاميين إلى القوميين واليساريين.. وخذ – رابعاً – ما حصل من اشتباكات في مجلس النواب عند القراءة “المفزعة” للقانون.. وخاصة تلك الدعوات التي تعاملت مع القانون بمنطق “المحاصصة” والتجييش، ويمكن أن تضيف إلى المشهد ما ذكره الفقيه القانوني محمد الحموري حول “المخالفات”الدستورية التي وردت في مشروع القانون.
حين تدقق في الصورة سترى أن “بلدنا” يمرّ في حالة “انقسام”، فمطابخ القرار مرتبكة، والنخب تتوسد إلى الشارع وتلهث وراءه، والمجتمع يترقب خائفاً، والوحدة الوطنية التي يفترض أن تكون مقدسة أصبحت مهددة، كما سترى أننا بعد عام ونصف العام من الحراكات عدنا إلى نقطة “الصفر”، وكأن “عصا” قانون الانتخاب قد شقت “البحر” فانفجرت الاصوات من كل الجهات لتعبر عن غضبها وسخطها وعدم رضاها، لدرجة أن المسؤولين أنفسهم الذين يفترض بهم أن يدافعوا عن القانون عجزوا عن “الترافع” عنه وحين استعانوا” بالاستطلاعات” وجدوا أن “الأغلبية” الصامتة نفسها ترفض الصوتين وتريد أن يكون لها صوت واحد.. كفاية!
هذا المشهد التمثيلي السريالي، أو “الكاريكاتوري” يعكس بامتياز ما انتهى اليه مجتمعنا في هذه المرحلة التي يفترض أن يكون عنوانها “التحول” أو “الاصلاح” أو (سمّه ما شئت) من انقسامات وارتباكات، كما يعكس ايضاً الازمة التي صنعتها “الوصفات” المقدمة لتصحيح مساراتنا الوطنية، واعتقد – هنا – أن ثمة “عبثاً” قد حدث في الدخول على “الاصلاح” من زاوية “اللعب” بمكونات المجتمع وتوظيف ذلك “كفزاعة” للهروب من استحقاقات المرحلة، تماماً مثلما حصل في ملف “العنف” الاجتماعي الذي جرى “ابتداعه” أو استخدامه في تجاهات اخرى.
لا يمكن اقناع الناس بجدية “مشروع” الاصلاح في ظل هذه المناخات والاشتباكات التي تتناقض اصلاً مع غاية الاصلاح وهدفه، ولا يمكن ايضاً لأي “برنامج” اصلاحي أن ينهض من ارضية انهكتها مفاعيل الانقسامات والتشظيات والصراعات البينية.
وإذا كانت صورة مجتمعنا تجاه “قانون” الانتخاب كما رأيناها في الأيام الماضية تختزل المشهد العام لبلدنا، فإن أخشى ما نخشاه أن نصل إلى “لحظة” نكتشف فيها أننا عاجزون عن فعل أي شيء، تماماً مثل “المنبّت” الذي لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى.( الدستور )