عن المال السياسي

ليس كرم أخلاق من الإدارة الأميركية، قرارها تجاوز الكونغرس وإعادة تقديم المساعدات المالية للسلطة الوطنية الفلسطينية، التزاماً بما سبق وإن تعهدت به، والتزامها بما تم الاتفاق عليه في اجتماع بروكسل للدول المانحة، مع أن الشكر واجب بكل الأحوال، ولكن ثمة أسبابا ودوافع وراء قرار البيت الأبيض، الأكثر انحيازاً للإسرائيليين ودعمهم وتغطية أفعالهم المشينة المنافية لحقوق الإنسان، والمتعارضة مع القرارات الدولية، والمتناقضة مع استحقاقات التسوية، والمخلة بالاتفاقات الموقعة مع منظمة التحرير الفلسطينية.
إدارة أوباما في سنة انتخابية صعبة، وهي في معركة كسر عظم تستوجب كسب المزيد من الأصدقاء والأصوات وبحاجة لكل جهد، ليس فقط كسب ود اليهود الأميركيين وهم مهمون، للحصول منهم على ثلاثة أسلحة هي التبرع بالمال، ودعم الإعلام، والأصوات الانتخابية، بل هي أيضاً بحاجة لأصوات العرب الأميركيين، الذين يشعرون بالحرج من أداء الحزب الديمقراطي، وإدارة الرئيس التي تراجعت عن وعودها وفق خطاب أوباما في جامعة القاهرة في حزيران 2009، باتجاه النفاق الزائد للإسرائيليين وحتى لليمين الإسرائيلي، عديم الإحساس بالمسؤولية، والمتمثل بحكومة نتنياهو – ليبرمان.
قرار الإدارة الأميركية بكسر قرار الكونغرس السابق المتضمن تعليق المساعدات عن فلسطين وحجبها عن السلطة الوطنية، له دوافع عديدة أورد الرئيس أحدها في قراره الموجه لوزيرة الخارجية كلينتون، وهو أن مساعدات واشنطن لفلسطين تعتبر "مهمة لمصالح الأمن القومي الأميركي " فلولا هذه المساعدات، والتواصل مع القيادة الفلسطينية، لما استطاعت واشنطن مواصلة دورها في إدارة المفاوضات بين الجانبين، ولولا هذه المساعدات، لما وجدت النصائح الأميركية المتكررة، الاستجابة المطلوبة من قبل الرئيس محمود عباس تارة ورئيس وزرائه سلام فياض تارة أخرى، والتأثير عليهما، وآخرها التدخل المباشر لتغيير مضمون الرسالة الفلسطينية إلى نتنياهو.
المساعدات ليست نزيهة ولن تكون، بل هي أداة مالية ضاغطة لتحقيق رغبات وتطلعات وأهداف سياسية، وهي تفعل فعلها في الإدارة الفلسطينية وتنعكس على قراراتها، مثلما تتولى المساعدات الأميركية دورها في التأثير على سياسات مصر والمغرب وتونس والأردن وغيرها من البلدان العربية التي تتلقى المساعدات المالية للمؤسستين المدنية والعسكرية الأمنية في هذه البلدان وفي غيرها، ولذلك، يجب أن لا يفرح الشعب العربي الفلسطيني بالمساعدات المقدمة له، بل يجب أن يفكر جدياً في كيفية الاستغناء عنها مع مرور الزمن وبشكل تدريجي، وفق برنامج الحكومة، إذا كان جاداً حقاً في تحقيق أهدافه الثلاثة في المساواة والاستقلال والعودة.
ولكن في نفس الوقت يجب أن ندرك جميعاً، أنه لولا عدالة القضية الفلسطينية ومطالبها المشروعة وبرامجها الواقعية، ولولا حكمة القيادة الفلسطينية ونزاهة حكومتها لما أقدمت الإدارة الأميركية على المغامرة بمعاندة الكونغرس لإعادة ضخ المال لشرايين السلطة الفلسطينية، فقد تم ذلك بالتأكيد ليس لسواد عيون فلسطين وشعبها وقيادتها، بل لخدمة المصالح الأميركية كما قال الرئيس أوباما نفسه، أولاً وآخراً.
عدالة المطالب الفلسطينية، وواقعية القيادة الفلسطينية وحنكتها في إدارة شؤونها أسلحة جوهرية غير تكتيكية، يجب التمسك بها ومواصلة تكييفها، ليس فقط لإرضاء الإدارة الأميركية ومن أجل الحصول على المال السياسي الذي يساعد على صمود الناس على أرض فلسطين وتحول دون تهجيرهم القسري، عن وطنهم، بل لمواصلة تسويق المطالب الفلسطينية العادلة، وكسب المزيد من الأصدقاء لنضال الشعب العربي الفلسطيني المشروع، ودعمه.
المال طالما هو غير عربي ومصادره أجنبية وتأتي أغلبيته من المجموعة الأوروبية ومن واشنطن واليابان له ثمن، يجب دفعه، ومن يرفض هذا المال عليه أن يبحث عن البديل، وأن يجده، تعويضاً عن المال الأميركي الأوروبي، وهو مال سياسي بامتياز.